لم أعرف سر سعادته إلا قبل أيام قلائل، كان يفرح بالشيء الذي نراه بأعيننا كالذرة ويراه هو في قلبه كجبل أحد! فيصعد كل يوم على سلسلة جبال السعادة ونحن ما زلنا بين الحفر ندوس على هذا النزر اليسير من السعادة التي لا تساوي شيئا في انهمار الماديات علينا من الأرض والسماء، الفقير قريب من السعادة وإن وقف أمامي الكثير وقالوا "الدراهم مراهم"، نعم فالفقير يجد الأساسيات التي نراها نحن كالكماليات فيفرح بها ويطرب وتجد السعادة عالقة بنفسه، فيجد دفأها لأن جشع وهلع الأثرياء على أموالهم وخسارتهم لم يخالط حياته، طالما عودت نفسي على أن أرضى بما كتبه الله لي وعلي ثم رمى نعماءه في طريقي، حمدا لك يا الله، عودت نفسي ألا أنتظر فرحة العيد كأي أكون سعيدا، بل لا بد أن يكون كل يوم وأنا في عيد وسعادة. طالما انتظرت الأربعاء ليلة الخميس، والحماس يخلق لي جناحين فارتفع إلى عنان السماء لأنني سأنشر لأحبتي مقالا أو قصيدة أو فكرة آمنت بها وأحب أن يتأثر بها الناس فيستفيدون منها، حتى أسميت ليلة الخميس على مائدة الأدب والسعادة، وكافأت نفسي لتنهض وتسعد – بعدما أعمل جاهدا فأنتج، فأتناول وجبة العشاء في مطعم فاخر مع أقرب الأصدقاء كهدية مني إلي، دعوكم مني وأقاويلي فهذا هو حال الأدب لابد أن تعكس حياتك الزجاجية للأعداء وللأصدقاء وللغرباء من خلال كتباتك وقصائدك وأفكارك ولا أجد في ذلك حرج لأنني اعتدت وعلمت جيدا سيرة الأدباء في حياتهم، فلذة البوح أزكى (أحيانا) من مرارة الغموض الدائم والصمت، خذ يا صديقي قول أبو العتاهية عن البساطة فيه ضرب من السعادة: خبزٌ وماءٌ وظلُ ذاك النعيم الأجلُ كفرتُ بنعمةِ ربي إن قلتُ ذاك مُقِلُ سأغلق نافذة مقالي وأكتب لوحة صغيرة فوق النافذة بقول خير الورى : "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا".