ما إن يحلّ فصل الشتاء حتى يضع أهل جدة وبعض المحافظات الأخرى الساحلية أياديهم على قلوبهم خوفًا من شبحِ السيول وكارثة 2009، التي جَرَفَت البيوت والسيارات قبل المواطنين، وما كانوا يخشونه يتكرر للأسف هذا العام، ولو باختلاف بسيط في النتائج، فمن لطف الله بعروس البحر الأحمر أن مشروع درء السيول والأمطار نجح وإلى حد ما فى تخفيف معاناة المواطنين، الذين صبُّوا كل غضبهم على أمانة جدة، التي صدَّعت رؤوسهم على مدار العام بمشاريع تصريفِ المياه، ومع أوَّل اختبار غرقت أنفاقُ جدة وشوارِعُها، وأوقفَتِ المياهُ الحركةَ في عددٍ كبير من الأحياءِ. وقد يكون مع المواطنين الحقُّ كلَّ الحقِّ في غضبهم، ويعلنون ذلك صراحة على مواقع التواصل الاجتماعي، سواء بالكلمات أو الفيديوهات المعبِّرة عن حجم الكارثة والمعاناة. وعن حال الشوارع التي تحولت إلى مصائد متحركة، بسبب سوء مشاريع وشبكات تصريف مياه الأمطار. ومع أن أميرَ منطقةِ مكَّةَ المكرَّمَة خالد الفيصل، اعترف بأَنَّ هناك قصورًا وخللا ما في تنفيذ بعض المشاريع، إلا أن الاعترافَ وحدَه لا يكفي، ولن يحلَّ هذه المشكلة المستعصية، ولكنه قد يكون خطوة لحلِّها وعلاجِها، وهو ما تعهَّد به الفيصل بعد نقل تبعية المشاريع من شركة أرامكو إلى أمانة جدة، وبعد إصدار أوامره بإصلاح وتنظيف كل القنوات المعطوبة والمسدودة، وعلاج مشكلة الكهرباء، بتوفير المولدات الاحتياطية اللازمة لرفع وشفط المياه عند توقُّفِ الأساسية عن العمل. وتشير لغة الأرقام إلى أن مشاريع شَبَكاتِ مطرِ جدَّة وحدها استنزفت 3.388 مليارات ريال حتى نهاية 1434ه وتشمل إنشاء 5 سدود بالإضافة إلى 3 مشاريع لتوسعة شبكات التصريف، ورغم هذه العقود المليارية، تؤكد الإحصاءات أن 60 % من أحياء محافظة جدة لا توجد به شبكات لتصريف المطر، وسبق أن أنفقت الدولة 981 مليون ريال على 9 أنفاق بجدة، إلا أنها فَشِلَت في تصريف السيول المنقولة وألقت الأمانة بالمسؤولية على "الكهرباء" وتعطُّل المضخات، وهو ما نفته بدورها شركةُ الكهرباء. هذه الحالة التي يعاني منها أهل جدَّة، يخشاها أيضًا سكان بعض المدن الأخرى الساحلية، بل يخشاها سكان العاصمة الرياض، وإن بدرجة أقل، ومع توقُّع تساقط أمطار غزيرة على المنطقة الوسطى خلال الأيام المقبلة، خصوصًا يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين، يتساءل الأهالي: هل الشوارع والأنفاق ومخرّات السيول جاهزة لاستقبال المطر؟ أم ستغرق شوارع الرياض هي الأخرى وتتحول إلى بحيرات من المياه بسبب عدم جاهزية البلديات ولعدم صيانة (بالوعات) وشبكات تصريف الأمطار؟ والأهم من ذلك كلِّه هل يتابع المسؤولون تحذيرات هيئة الأرصاد الجوية ويأخذونها بعين الاعتبار أم يعتبرونها (ضربًا من الغيبيات والخرافات). من الواضح أن معظم مناطق المملكة ستشهد موسمًا ممطرًا ومختلفًا عما قبل، وبالتالي يجب أن تكون درجة الجاهزية والاستعداد على مستوى هذا الاختلاف، وذلك بالوقوف على المشاكل في أرض الواقع، وليس تنظيرها فقط على الورق، حتى لا يدفع الطلاب والموظفون والعمال ثمن الإهمالِ والاستهتارِ بأرواح الناس وأموال الدولة. كما يجب أن تكون هناك محاسبة دقيقة وفورية لأي مسؤول عن أي خلل، وأن نواجه جميعًا فسادَ أيِّ مشروع بالمصارحة والشفافية والتخلُّص من سياسةِ غَضِّ الطرف، التي ستعيدنا إلى الخلف عشرات السنين. وأن تتوفر للبلديات الميزانيات اللازمة لمواجهة الأزمة، ضمن استراتيجية متكاملة.