كشفت الأمطار والسيول التي داهمت المنطقة العربية مؤخرًا عن خلل كبير في مشاريع البنية الأساسية التي يتمُّ تنفيذها في البلدان العربية، كما أسقطت أقنعة الفساد التي يتخفَّى خلفها بعضُ قياداتِ أجهزة الحكم المحليِّ أو ما يُطلق عليها "البلديات"؛ فما إن تفتح السماء نوافذها لسقوط مطر الخير على أوطاننا المقبلة على "حرب المياه"، حتى تغرقَ شوارعنا ومركباتنا، بل وبيوتنا، في ظاهرة لا توجد إلا في البلدان المتخلِّفَة، التي "تعشِّش" بداخل أجهزتها شبكةٌ من منعدمي الضمير، لا يكترثون بما يتسبب به إهمالُهُم، وجشعُهُم من كوارثَ يدفع ثمنها أبرياء، شاء القدرُ أن يتعرضوا للأمطار الغزيرة ويموتوا في مخرَّات السيول. إن ما حدث في المملكة قبل شهور، ويحدث الآن في مصر والأردن والكويت وغيرها من الدول العربية التي تحوَّل المطر فيها، بفعل فسادِ ذِمَمِ الإنسان، إلى قاتل أو سبب في الموت، يحتاج إلى وقفة حاسمة وعقاب صارمٍ، لكل من كانت له يدٌ في تنفيذ مشاريع تصريف مياه الأمطار والسيول بهذا الشكل السيئ، ولكل من التزم الصمت عن الغش والخداع الذي يمارسه بعض مقاولي الباطن، مقابل حفنة من الريالات أو الجنيهات والدولارات؟ والغريب أن هذا الشيء الكارثي يتكرر ويحدث سنويًّا دون أن تتعظ الأجهزة المعنية، أو تستوعبَ الدرس، ودونَ أن تتحرَّك الأجهزة الرقابية لمحاسبة المسؤولين المتقاعسين عن أداء واجبهم ومهامهم عن أكمل وجه، أو وضع حدٍّ لهذا المسلسلِ المفزِع، الذي يكلف الدول العربية ملايين الجنيهات سنويًّا، تُدفع في شكل تعويضات "مسكِّنات" تطفئ نار المأساة، وتخفِّف مصائب أسر الضحايا والمتضررين. أما الأغرب، فهو أيضًا تلك المليارات التي تُنفق سنويًّا فيما يُسمى أعمال الصيانة، ليكتشف المواطن أن معظم هذه الأعمال تتمُّ على الورق فقط، ولا علاقة لها بالواقع، والدليل تلك المآسي المروعة التي نشاهدها على الشاشات الفضائية في العديد من الأقطار العربية والخليجية. لقد كشفت الأمطار غيابًا شبهَ تامٍّ لأجهزة البلديات والمحليات، وانفصالَها عن الواقع ومعاناة المواطنين، كما كشفت مدى جهلِ قياداتها وعدم اهتمامِهم بتقارير هيئة الأرصاد، ولو سألت مثلا رئيسَ حيٍّ أو بلدية: كم مرَّة أمرت بفحص غرف "بالوعات" الأمطار في الشوارع، فسيجيبك إن كان صادقًا: ولا مرَّة. أما إذا كان من هؤلاء الذين لا يكذبون ولكن يتجملون، سيقول لك على استحياء وخجل: (مرة أو مرتين)، أما إن سألته لماذا لا توجد بالوعات من الأساس في العديد من الشوارع والأنفاق والميادين والجسور؟ فسيتعلل فورًا بالميزانية والصلاحيات وبقانون المناقصات والمزايدات، وسيلقي بالمسؤولية على المواطن وعدم وعيه وغيرها من الحجج البيروقراطية والذرائع "المعلَّبة"، التي لا تغني ولا تسمن من جوع. ألا يشعر ويحس هذا المسؤول بحلول فصل الشتاء؟ وهل يحتاج إلى أحد ليذكِّرَه به؟ ولماذا يوافق من الأصل على تسلُّمِ مشروعٍ غير جيَّد من حيث التصميم والتنفيذ؟ إلا إذا كان اعتاد وأدمن هذا المشهد الكارثي، الذي ربما يتعرض هو نفسه له عندما يجرفه سيل أو يغرق بسيارته أسفل أحد الأنفاق. لقد وهبنا اللَّهُ المطرَ، وأجرى سبحانه في منطقتنا الأنهار، ولكننا للأسف لم نحافظ على هذه النعمة، وجعلناها، بما يحدث في أجهزتنا ومشاريعنا من فساد، نِقْمَةً، ليبقى مسلسل الكوارث الإنسانية مستمرًّا في البلدان العربية، بسبب عجز أنظمتها على مواجهة الأمطار واستغلال مياهها التي تهدر سنويًّا في مشروعات تعود على المواطنين بالخير والنماء. فمن المسؤول، مثلا، عن تسلُّم مشاريع المياه وشبكات الصرف الصحي، وهى سيئة التنفيذ، وغير مطابقة للمواصفات العالمية؟ ومن المسؤول عن بقاء هذه الشبكات "المعطوبة" إن وُجدَت دون علاجِ ما بها من خللٍ ناجم عن سوء التنفيذ والاستخدام؟ وإلى متى يبقى المواطن العربي محرومًا من حقه الطبيعي في أن يحيا بكرامةٍ ويموتَ أيضًا بكرامة إن قدَّر اللَّهُ ذلك؟ رابط الخبر بصحيفة الوئام: الأمطار والسيول تكشف فساد المشاريع في المنطقة العربية