تهدف التعزيزات العسكرية الروسية في سوريا في المقام الأول لدعم الرئيس بشار الأسد ومساعدته في تعزيز وضعه في منطقة نفوذه الساحلية التي يسعى فيها لدعم التجمعات السكانية التي تشكل قاعدة قوته في وقت يعاني فيه جيشه من التعثر. ويعتقد أغلب الخبراء في الشأن السوري أن هذه التعزيزات قضت على أي احتمالات لتغيير النظام بالقوة العسكرية رغم اقتراب جيشه من حافة الانهيار في مواجهة تقدم جماعات المعارضة وأنها ستعزز حدود التقسيم الفعلي لسوريا. ويقول سكان في اللاذقية التي تعد معقلا للاقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد إن ازدياد الوجود العسكري الروسي بدأ في أوائل يونيو حزيران وبدأت معه الاستعدادات لتفكك الدولة التي يبلغ عدد سكانها 23 مليون نسمة في نهاية المطاف. وقد ازداد عدد سكان اللاذقية لأربعة أمثاله خلال سنوات الحرب الأهلية. وتعمل الحكومة على تسهيل توطين أقليات أخرى مثل المسيحيين والشيعة. لكن لأن معظم السوريين من السنة فإن الفارين إلى المنطقة الساحلية لا يسمح لهم بنقل سجلهم المدني إليها في خطوة تهدف للحيلولة دون تحول الطائفة السنية إلى خطر على الطائفة العلوية. ويبدو من المستحيل أن تتمكن روسيا من قلب الوضع بعد ما منيت به القوات الحكومية السورية من خسائر ما لم تتدخل بقوات برية وذلك بعد أن أصبح نحو ثلثي مساحة سوريا تحت سيطرة مقاتلين مناهضين للحكومة أغلبهم من الاسلاميين سواء أكانوا من المعارضة السورية التي تدعمها قطر والسعودية وتركيا أو من تنظيم الدولة الاسلامية القادم من وراء الحدود. لكن محللين يقولون إن إرسال قوات برية روسية إلى سوريا غير وارد حتى الآن. وما يبدو واضحا هو أن الدافع وراء الخطوة الروسية هو الانزعاج من الخسائر التي تمنى بها قوات الجيش السوري في ساحة المعركة بوتيرة سريعة أثارت الشكوك في بقاء أسرة الأسد التي ظلت على مدى عشرات السنين أوثق حلفاء موسكو في الشرق الأوسط. فعندما بدأ مقاتلون اسلاميون يهددون مدينة اللاذقية الساحلية معقل الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد وبالقرب من القاعدة البحرية الروسية في طرطوس – وهي المنشأة البحرية الوحيدة لموسكو في البحر المتوسط – قرر الكرملين التدخل. وترجع العلاقات الوثيقة التي تربط روسيا بالحكومة السورية إلى العهد السوفيتي عندما كانت موسكو تعول على الرئيس الراحل حافظ الأسد والد بشار كحليف قوي. وحتى قبل التعزيزات الأخيرة كان لموسكو فرق من المستشارين والمدربين العسكريين على الأرض في سوريا. * الأسد سيبقى ويقول مراقبون يتابعون الوضع عن كثب في سوريا إن خطة روسيا هي مساعدة القوات الموالية للأسد وتدعيم الجيب العلوي في المنطقة الساحلية الجبلية في الشمال الغربي. فإذا ما اضطر الأسد للخروج من دمشق وسقطت العاصمة سواء في أيدي تنظيم الدولة الاسلامية أو غيره من التنظيمات الاسلامية سيصبح لديه موقع حصين يلجأ إليه في اللاذقية هيأته له روسيا وغيرها من حلفاء الحكومة السورية مثل ايران وحزب الله اللبناني. ووسط الغموض الذي يكتنف أهداف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المبهمة في سوريا توجد آراء مغايرة عما إذا كانت موسكو تنوي أن تتبع هذا الاستعراض الاقليمي للقوة بمبادرة دبلوماسية لانتشال سوريا من دائرة الحرب الأهلية التي تدور فيها منذ أكثر من أربع سنوات. لكن ثمة شبه إجماع على أن القوات الحكومية السورية أصبحت منهكة وأن التدخل الروسي سيعجل بتقسيم البلاد إلى اقاليم متحاربة. ويقول روبرت فورد السفير الأمريكي السابق في سوريا والذي عمل فيما بعد مبعوثا خاصا لها ثم استقال بسبب اختلافه مع سياسة أوباما في سوريا إن الروس سارعوا إلى إرسال قوات جوية ومزيد من العتاد البري. ويضيف "هذا يجعلني أعتقد أن نظام الأسد أصبح فعلا في غاية الضعف وأن الروس ارتعبوا." ويشير فورد إلى أنه رغم ما يردده الكرملين من أن التعزيزات جزء من الحرب الدولية على تنظيم الدولة الاسلامية فإن هدفه الأساسي هو دعم وضع الأسد والدفاع عن رأس الجسر الروسي على الساحل الشمالي الغربي لسوريا. وتساءل فورد "لماذا تضع الوحدات الجوية في اللاذقية بدلا من دمشق إذا كنت تريد أن تقاتل الدولة الاسلامية؟ ولماذا ترسل معدات مضادة للطائرات في حين أن الدولة الاسلامية ليس لديها أي قوة جوية؟" وأضاف "لذلك يبدو لي أن الهدف من وراء ذلك هو مساعدة الأسد أولا. فهذه هي المهمة رقم واحد وربما كانت المهمة رقم اثنين مهاجمة الدولة الاسلامية لكن المهمة رقم ثلاثة على الأرجح مهاجمة عناصر أخرى من المعارضة (في شمال غرب سوريا) ربما في إدلب وربما في اللاذقية." وهو لا يرى "أي دليل على أن الروس سيتخلون عن الأسد ويجازفون باستقرار ما يتبقى من الدولة السورية حتى إذا كان الحفاظ على الدولة السورية في شكلها المصغر أكثر أهمية من بشار." * نقطة تحول ويقول مسؤول سوري كبير سابق إن "الأسد طلب من روسيا التدخل لأنه يائس ولأن الجيش ينهار" مضيفا أن الرئيس السوري أطلع الموالين له على أن موسكو لن تقدم تعزيزات وأسلحة فحسب بل ستتولى قيادة سلاح الجو. وأضاف المسؤول "التدخل الروسي هو لمساعدة الأسد في الحفاظ على الوضع القائم والحفاظ على مناطق النظام – الجيب (الشمالي الغربي) … أما إذا أرادوا استعادة مناطق أخرى فسيحتاجون لقوات برية بالألوف ولا أعتقد أنهم يريدون ذلك." لكن لديه شكوكا في فرص نجاح الأسد في المدى الطويل. إذ يقول "سيسمح هذا للنظام بالاستمرار في سياسة عدم التفاوض مع المعارضة لكنه لن يحل المشكلة." ويقول فواز جرجس الخبير في شؤون الشرق الاوسط بكلية الاقتصاد في لندن إن التحرك الروسي يمثل نقطة تحول لكنه لا يغير كثيرا في ميزان القوى على أرض المعركة في سوريا. وقال "هو نقطة تحول في تقوية عزم الاسد وفي الأساس إضعاف أو إلغاء أي احتمال لرحيل الأسد عن الساحة عاجلا لا آجلا." وأضاف "أرى أن التدخل العسكري الروسي في سوريا يظهر أن الأسد لن يرحل على النقيض مما تحاول الولاياتالمتحدةوتركياوقطر والسعودية أن تقوله أو تفعله." ويرى أيضا إن تعزيز الوجود الروسي سيعزز في الوقت نفسه شعور الأسد بأنه لا الولاياتالمتحدة ولا تركيا ولا أي قوة اقليمية أخرى ستتدخل تدخلا حاسما بما يكفي لتغيير ميزان القوى بعيدا عن وضع الجمود. ويقول "الأمريكيون كانوا سعداء بان الأسد يعاني من الاستنزاف لكنهم يعتقدون الآن أن روسيا أرجأت في أفضل الأحوال آمالهم في حدوث انتقال سياسي." ومع ذلك فإن بوتين الذي يرى في تحرك بلاده في سوريا جزءا من محاولة روسية أوسع للعودة إلى ساحة الشرق الأوسط أقدم على مجازفة. ويقول جرجس "روسيا الآن تقدم على مخاطرات كبيرة. فسوريا مستنقع الكل فيه يغرق في الأساس. الكل يخسر وربما يثبت أن سوريا مقبرة لنفوذ روسيا في الشرق الأوسط. "فلا توجد دولة. سوريا اختفت وكل ما تبقى مقاطعات والأسد أصبح واحدا من أمراء الحرب الكبار." ويعتقد كثير من المحللين أنه في حين أن الدول الاوروبية والولاياتالمتحدة وخصوم الأسد على المستوى الاقليمي بدأوا يدركون رغما عنهم أن أسرة الأسد ستظل في المعادلة المميتة في سوريا في الوقت الحالي فهذا لا يعني أنها ترغب بالضرورة في التعاون الوثيق مع بوتين. وبعد أن انتزعت روسيا شبه جزيرة القرم وقسمت أوكرانيا يشعر البعض أن عودتها إلى الشرق الأوسط ليست إلا ورقة للمساومة على أهدافها الاوروبية. ويقول فورد "ظني أنهم سيواصلون ما يفعلونه من قصف لمواقع الدولة الاسلامية في وسط سوريا وشرقها. والأمريكيون يعملون مع الميليشيا الكردية (السورية) وهذا سيستمر. أعتقد أن الأمريكيين سيتظاهرون بأن الروس ليسوا موجودين هناك." ويقول فواز جرجس "لو أنني كنت الأسد في دمشق الآن لأدركت أن لدى حليفي من القوى العظمى بنفوذ مباشر ووجود مباشر في القلب في مسقط رأسي." ويتفق أيهم كمال المحلل في مجموعة أوراسيا جروب مع هذا الرأي قائلا "التدخل الروسي سيجعل من الصعب جدا على أي طرف أن يدفع باتجاه تغيير النظام. فالأسد باق على أقل تقدير بصفة انتقالية والباقي يعتمد على المفاوضات بين الغرب وروسيا." رابط الخبر بصحيفة الوئام: التدخل الروسي يقوي عزم الأسد للبقاء في السلطة