العواطف شيء طبيعي بالإنسان، لا يخلو منها أحد، ولا حتى أكبر المجرمين في العالم، لكن للعاطفة أنواع كثيرة، تتزعمها العواطف الإنسانية والدينية وقد خلق الله – سبحانه وتعالى – الإنسان قبضة من طين، ونفخةً من روح، وجعل له عقلاً يُفكر وعاطفةً تُؤثر، وبين عقله وعاطفته أنزل له شرعًا يُوجه العقل لئلا يشذ، ويحكم العاطفة لئلا تند بحيث تكون مضبوطة ب(الانقياد) لمضمون الكتاب والسنة وما أجمع عليه علماء الأمة من الأقوال والأفعال فلا يُقدم حكمها على الأحكام المُصلحة والمُنظمة لحياة الأفراد بالمجتمعات والأوطان، وخاصة أنها قد تندفع فتطغى ويأتي من ورائها كثير من الأضرار والمخاطر لا سيما إذا كانت بدون خطام ولا زمام، ومن هنا جاء أمر خطير، وهو استغلالها في التحريض والتجييش بحيث أصبحت سلاح مَن لا سلاح له من أعداء بلاد الحرمين الشريفين – المملكة العربية السعودية – ولذلك تجد التأثير السلبي والاستغلال الرخيص لهذه العواطف عبر دغدغة المشاعر وتجييش العواطف، لا سيما إذا طغت على الفرد، تُصيب عقله بالعمى الفكري، وتجعل منه خطرًا على أمنه وأمن مجتمعه؛ كونه لا يعرف أنه مصاب بها بل يظن أنه محق مخلص، ومن ينتقده يتخذه عدوًا ضروس يصفه بأنه حاقد عليه وعلى الإسلام وينعته بألقاب النفاق والزنادقة، إضافة إلى أنها تُلزمه بقناعة معينة على القبول الأعمى لما يُملى عليه وعدم النقاش أو الاستيضاح تحت أي مبرر. وفي التاريخ لعبت العاطفة الدينية المجردة دورا رئيسيا في ارتكاب أبشع الجرائم زيادة على طمسها للعقل تطمس أيضاً جميع المشاعر الإنسانية فهي تستطيع أن تقنع معتنقها بشكل سهل على القتل باسمها حماية للرمز المقدس أيا كان سواء كان شخصاً أو تنظيماً أو فكراً أو غيره ، فالملايين في التاريخ ماتوا على يدها في كل الديانات وكانت في الكثير من الأحيان سبباً في اضمحلال الحضارات و سقوطها من محاكم التفتيش التي أقامتها الكنيسة في إسبانيا ضد المسلمين واليهود هناك بعد سقوط الأندلس, إضافة لما تفعله بعض التنظيمات الفكرية المتطرفة في الوقت الحاضر من استغلالها وكل ذلك نتيجة لتوغل العاطفة الدينية في عقل المنتمي والمتأثر والمتعاطف وليس هذا فحسب بل يصل الأمر لاستعمارها للجسد الاجتماعي و تسلطها على أبجديات التفكير. ومستغلي تلك العاطفة يوجهون في الغالب سهامهم لفئة الشباب، وخصوصًا (الشباب الخليجي والسعودي تحديداً) ويدندنون على ما يسمى ب(مظلومية الشعوب أو التعاطف مع ضحايا حدث معين)، وقيامهم باجتزاء النصوص القرآنية من سياقها، وإنزالها في مواضع تتعارض مع السياق الذي أنزلها فيه رب العالمين لتحقيق أهدافهم الخبيثة، ولعل من يتابع الحراك الفكري بوسائل الإعلام الجديد يُدرك حقيقة ذلك بجلاء، وأن مما يُحزن أن بعضاً من الشباب السعودي أصبحوا ضحية لتلك العاطفة حيث يسهل ابتزازهم بمثل تلك العاطفة المتلونة، وللأسف أنهم يُجعلون بالمرتبة الأولى في ذلك الاستهداف وإلقاء وابل من المديح والثناء لهم بغية الاستفادة منهم في الدعم المعنوي والمادي والدليل على ذلك اسأل العائدين من أفغانستان من الشباب السعودي الذين شاركوا بالحرب الأفغانية الروسية ماذا فُعل معهم هناك والتاريخ الآن يُعيد نفسه وخصوصاً في هذا الوقت وما لاحظناه كإعلاميين ومتخصصين من فوضى عارمة تحت (العاطفة الدينية) التي تهز الشباب بمفردة واحدة، أو حدث ملفق أو قصة مكذوبة أو خبر مبالغ فيه هي طاقة كامنة يمكن تفجيرها على أقل سبب ومن أي طرف بمجرد ابتزازها نفسيًّا. وبتمعن الحراك الفكري بوسائل الإعلام الجديد نجد أن هناك بعض الأطروحات التي استغلت العاطفة الدينية للطعن في الحكومة السعودية والتشكيك في جهودها في أصقاع العالم، من خلال نشر بعض الشائعات وتكون مكتوبة بطريقة معينة مع اللعب على وتر العاطفة الدينية والمجتمعية، لكن بعضها سطحي جدًّا ومع ذلك تنتشر والأمثلة على ذلك كثيرة منها قصة اللاجئين التي تُطرح الآن في بعض المشاركات الإعلامية، وكذلك قصة غرق الطفل السوري (إيلان الكردي) بشاطئ الهجرة -كما يسمونه- محاولين اتهام المملكة بأنها السبب في ذلك سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، بهدف تحريض الشعوب ومحاولة ضرب العلماء بالحكام وإحداث نوع من التشكيك بالجهود الإنسانية للحكومة السعودية لشعوب العالم المحتاجين مسلمين وغير مسلمين، واذكر في هذا المقام ما سبق أن صرح به المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية السعودية اللواء/ منصور التركي بما نصه: (للأسف لا تزال القضية السورية تُستغل كثيرا لمحاولة استدراج عاطفة المواطن.. يجب التنبه لمثل تلك الأمور). وأذكر أيضًا أن من ضمن تصريحات مسؤول ملف التحقيقات بوزارة الداخلية العميد/ بسام عطية إبان شرحه لمشاغبات تنظيم (داعش) بالمملكة (أن مثل هذا العاطفة كانت سببًا من أسباب سفر الشباب السعودي لأماكن الصراع سواء بالعراق أو سوريا أو غيرهما، بل ومن أسباب الانضمام للتنظيمات المتطرفة التي تزعم أنها تدافع عما أصاب بلاد الإسلامية بالوقت الحاضر)، وهذا ليس بجديد بل أقراً ما كتبه مؤلفو كتاب (إدارة التوحش) قبل ما يقارب العشر سنوات وقد تزيد قليلاً، الذي يُروج بأن مؤلفه شخص واحد – أشك في ذلك – وأسمه المستعار/ أبو بكر ناجي، واقرأ كذلك أدبيات تنظيم (داعش) والتنظيمات الشيعية المتطرفة أيضا كالحوثيين وحزب الله بفروعه. الأصل في الإنسان أن يحب وطنه، ويتشبث بالعيش فيه، ولا يفارقه رغبة منه وحب الوطن غريزة متأصلة في النفوس تجعل الإنسان يستريح إلى البقاء فيه ويحن إليه إذا غاب ويدفع عنه إذا هوجم، ويغضب له إذا انتقص، وهذا لا يتعارض مع ما ندين لله به من أننا – ورب الكعبة – لا نرضى لما يحصل لإخواننا ببلاد العالم بمختلف أجناسهم وانتماءاتهم من قتل وتشريد وتجويع وتعذيب ونقف معه بكل ما نملك، بل وندافع عنهم بحسب استطاعتنا، لكن أن تُستغل قضاياهم للنيل من قيادتنا وهيئاتنا الدينية وعلمائنا وطلبة علمنا ودعاتنا فالمنصف المحايد لا يقبل بمثل هذا الشغب الفكري والإقصاء المقيت. [اللهم احفظ بلادنا بحفظك وأمنها بأمنك وأبعد عنها الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم من أراد مقدستنا وبلادنا وقيادتنا بسوء فشغله بنفسه ورد كيده في نحره واجعل تدبيره تدميره يا رب العالمين، اللهم ادم علينا الاستقرار والأمان يا رب العالمين. رابط الخبر بصحيفة الوئام: العاطفة الدينية بنظرة وطنية