مستكملاً خطواته الحثيثة والمتسارعة في التأسيس لعهد حكمه وترتيب الأولويات وإرساء القواعد الأساسية لحاضر الدولة ومستقبلها ، بدأ الملك سلمان مساراً جديداً للحكم السياسي في البلاد ونال شرف رعاية التحول التاريخي من حكم أبناء المؤسس إلى حكم أحفاده ، فعّين للمرة الأولى أول أحفاد المؤسس في منصب ولي العهد الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز وهو وزير الداخلية ورئيس المجلس السياسي وأحد أنجع أفراد جيل الأحفاد ممن يتقلدون المناصب القيادية في السلطة ، وصاحب الحضور القوي على الساحة السياسية والأمنية للبلاد قبل وبعد توليه حقيبة وزارة الداخلية في 2012 ، وأكّد الملك سلمان هذا التحول التاريخي بتعيين إبنه وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان ولياً لولي العهد في إشارةٍ أولية لحجم الرضى الشعبي والحكومي حول النتائج السياسية والعسكرية المتقدمة التي حققتها أولى عمليات تثبيت الشرعية وردع المتمردين في اليمن "عاصفة الحزم" ، وهو الشاب الذي لم يتجاوز 35 من عمره المتأجج بالحماسة منذ توليه وزارة الدفاع ورئاسة المجس التنموي والاقتصادي . كانت الطبيعة السياسية في المنطقة والتطورات في النظام الدولي متسارع الاحداث ومواكبة أساليب القيادة والتحكم السياسية تتطلب تجديداً كبيراً في القيادات السياسية بأعلى الهرم في السعودية . بل وصلت في أوقات كثيرة إلى مطالبات فعلية تندرج تحت رغبات التغيير الجاد والإصلاح وتجديد القيادات .. فأسس الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز لعمليات التغيير والإصلاح السياسي الداخلي في البلاد والتي كان من ضمنها ترتيب انتقال الحكم إلى جيل الأحفاد من جيل الأبناء الذين حكموا لحقبة طويلة وصلت إلى 63 عاماً ماضية ولازال آخرهم الملك سلمان مستمراً بحكم البلاد ، وعايش هذا الجيل فترات سياسية مختلفة وتطورت حتى وصلت الآن للحد الذي تطلب مواكبتها بالتغيير الى جيل شاب يمكنه إكمال مسيرة حكم البلاد بنفس القوة والثبات السياسي الذي تتمتع به الدولة منذ تأسيسها . كانت الفرصة متاحة تماماً في عهد الملك سلمان ليتولى الانتقال الفعلي لمقاليد السلطة والقيادة ويرعاه بعد أن أسسها الملك عبدالله ، وحقق ولي العهد وآخر أبناء المؤسس في السلطة الأمير مقرن المصلحة الوطنية طلبه التنحي رسمياً عن منصب ولي العهد ليخلفه فيه باختيار الملك ابن أخيه الأمير محمد بن نايف معلناً بداية عهد جديد في تاريخ الدولة السعودية . ولن ينسى تاريخ التحول في القيادة من جيل الأبناء إلى جيل الأحفاد أن الأمير مقرن كان محور ارتكاز هذا التحول ، فبكونه أصغر أبناء المؤسس في السلطة بعهد الملك عبدالله ، كان أول من تولى منصب ولي ولي العهد الذي استُحدث فعلياً ليتولاه آخر أبناء المؤسس وينتهي بعده أي منصب سيادي لجيل الأبناء ثم يتم الإنتقال مباشرةً لجيل الأحفاد ، وبعد وفاة الملك عبدالله تولى ولاية العهد وفي غضون 100 يوم فقط حقق الإنتقال التاريخي تحت رعاية الملك سلمان وطلب التنحي عن ولاية العهد لتنتهي بعده سلطة جيل الأبناء ويتولى للمرة الأولى إثنين من الأحفاد منصب ولي العهد وولي ولي العهد . وفي الحين الذي تسابق فيه السعودية الزمن والأحداث لتحقق الاستقرار لأمنها الوطني الحدودي والأمن القومي والإقليمي لمحيطها ، مع استمرار التنمية الداخلية فيها كان التحول لدولة فتيّة وشابة هو الضمان الأكبر للنجاح في التوفيق بين هذه الموازنة الصعبة داخلياً وخارجياً . زاد من حجم التحول التاريخي لحكم الأحفاد تزامنه مع إعفاء وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل من منصبه لظروفه الصحية ، فكما أن العالم لم يعتد أبداً على أن يقود الدبلوماسية السعودية رجلاً غير الفيصل ، إلا أن الظروف الصحية أحكمت رؤيتها ، وبالقدر الذي كان قبول استقالة الفيصل صعباً جداً وربما يصاحبه تأثر على مستوى الدبلوماسية السعودية إلا ان اختيار السفير عادل الجبير وزيراً للخارجية كأول وزير من خارج العائلة يعتلي منصباً سيادياً بعد وزير الخارجية بعهد الملك فيصل إبراهيم السويل كان تطوراً فوق المعتاد أضفى تاريخيةً لتاريخية التحول لحكم الأحفاد وأعطى مؤشرات لمستقبل المشاركة السياسية في صنع القرار السياسي بالمملكة . إن الدروس السعودية المتزامنة مع هذا التحول كثيرة فالدولة تخوض حرباً على حدودها الجنوبية أشبه بالحرب الوجودية ، وبقدر أقل تساهم في حرب على حدودها الشمالية وتدافع بشراسة عن أمنها الوطني ضد إرهاب الداخل ، لكنها في الوقت نفسه لاتدخّر وقتاً للإصلاح الداخلي الجذري والتنمية المتسارعة بدون ان تتأثر هذه الموازنة الداخلية – الخارجية الصعبة . حمى الله هذه البلاد الملهمة ، وأدامها لدينها ولشعبها وإقليمها مضرباً للمثل المشرّف والفخر الذي لاحدود له .. رابط الخبر بصحيفة الوئام: غازي الحارثي يكتب .. تاريخ على تاريخ