نعم،للحياةِ نداءٌ توجّهه إلينا باستمرار،فهل نستجيبُ لها؟ وقبل ذلك،هل نسمعُها؟ صدّقوني،إنه في غاية الوضوح والعُذوبة. وذلك النداء يرسلُ إلينا رسائلَه المباشرة في كل وقت،لكنّنا بإعراضِنا وصدودنا عنه،عمداً أو جهلا،نخسرُ الكثير. وأول مانخسره هي الحياة الحقيقية نفسها، التي يُفترَض أن نعيشها.! إن انغماسَ الإنسان في المادّيات والخصُومات بأنواعها يحوّله إلى كائنٍ استهلاكي بشِع،يسعى خلف ملذّاته التي لم ولن تنقضي. وأنا هُنا لا أحرّم الحلال،وليس بوسع أحدٍ أن يفعلَ ذلك،لكنّني أدعو للتوازن مابين الروح والجسد. فغلبةُ جانبٍ على آخَر تجعلُ الإنسانَ كائناً مرتبكاً في نفسه،وفي وسَطه الذي يعيشُ فيه. أما التوازنُ الذي أعنيه هنا،فهو أن يكون الإنسانُ كائناً أرضياً وسماوياً في ذات الوقت. كأنّني بسائلٍ ألمعيّ يسألني:كيف ذلك؟ والجوابُ يسير،وأيسرُ منه تطبيقه. فالإنسان خلقه ربُّ العالمين من تُراب الأرض،ونفخ فيه من روحه عزَّ وجل. وهكذا تتّضح الصورة،فأيُّ خللٍ بين هذين المكوّنين الأرضي والسماوي،سينعكسُ بالضرورة على حياة الإنسان ومعيشته، والسببُ هو الإنسانُ نفسُه.! إن المفترَض بحضرة السيّد الإنسان،أن يستوعبَ دورَه الحقيقي في هذه الكُرة المستديرة الضخمة المملوءة ماء. إنها أمُّنا الأرض التي جعلنا اللهُ تعالى خلفاءَه عليها،لنعمرها بالعلم والإيمان،والإبداع في كل ماهو نافع. والعجَب كل العجب،هو تعالي أصوات المنادين للموت،وغلبة تلك الأصوات على المُنادين للحياة. حتى ظهر مايمكن أن نسمّيه بلا تردّد ثقافةُ الموت. وظهرت معها بالضرورة ممارساتٌ تتنافى مع كل مايمت للإنسانية بأدنى صلة. يقول الشاعر إيليا أبوماضي في قصيدته فلسفة الحياة: أيُّهذا الشاكي ومابك داءُ كيف تغدو إذا غدوتَ عليلا؟! إن شرَّ الجُناة في الأرضِ نفسٌ تتوقّى قبل الرحيلِ رحيلا هو عِبءٌ على الحياةِ ثقيلٌ من يظنُّ الحياةَ عبئاً ثقيلا والذي نفسُه بغيرِ جَمالٍ لايرى في الوجُودِ شيئاً جميلا لاأريدُ أن أقع في فخِّ الوعظ،وأنا لاأُحسنه،مع كثرة ممارسيه ليلاً ونهارا.! لكن لديّ وصفةٌ حياتية مجرَّبة تتمثل في الاقتراب من الطبيعة، ومغادرة هذه المباني الخرسانيّة الصامتة والموحشة التي أفقدتنا أصواتَنا،وأصابت مشاعرنا بالبرود،بل بالتجمُّد.! هذا هو مذهبي،معانقةُ الحياة بلهفةٍ ووَلَه. فأنا أعتبرُ الحياةَ كأعزّ صديقٍ لي،أبوحُ لها بمكنون قلبي وهمومه،وأبثُّها لواعجَ مُهجتي،ولم أجد منها إلا كل صدقٍ ووفاء،فهي دائماً عند حُسن ظنّي بها، بل إنني كلما أُخبرها عن نفسي أتفاجأُ بها تخبرني بالمزيدِ عن حالِها.! حتى إنّني أكتشفُ من بعضِ أحاديثِها أن بها أوجاعاً لاتقلُّ عن أوجاعي.! وعندما أنصتُ لشكواها أسمعُ منها الكثيرَ والمُثير في كل مرّة.! عجباً لأمرِها من حياة.! إذا ضحكتُ لها ضحكت لي، وإذا عبستُ في وجهِها ردّت عليّ بالمثل. ومع ذلك سأظلُّ أُحبها، وأستجيبُ لندائِها في كُل حين.