عرفنا من دراسة تاريخنا المجيد، أن المؤسس والد الجميع، الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، طيب الله ثراه، عندما صمم على استعادة الرياض واسترداد حكم آبائه وأجداده الأشاوس، لم يكن مدفوعا بحب المُلك والسيطرة، أو مزهوًّا بنشوة الأمر والنهي والتسلّط على الناس والتحكّم في مصيرهم، أو مدفوعا أيضا بشهوة الثراء الفاحش والتخمة والتلذذ بالطيبات. أجل.. لم يكن هذا ولا ذاك، من صغائر الأمور وسقط المتاع، هو المحرّك للثورة في نفس عبد العزيز – الرجل الكبير، الأب العادل والملك الصالح. بل جاء عبد العزيز مشحونا بهمة عالية ونفْس كبيرة، تحمل بين جنباتها مسؤولية شعب الجزيرة العربية النبيل، بقيادة هذه الأسرة المالكة الكريمة تجاه رسالة آل سعود منذ بزوغ فجر دولتهم عام 1157ه (1744م)، يوم التقى الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب في الدرعية – مهد التاريخ والأصالة، فبايع الثاني الأول، ووضع ميثاق الدرعية، وبزغ فجر الدولة السعودية، وبدأ تاريخ نجد الحديث.. بل قل تاريخ الجزيرة العربية كلها. ولهذا، عندما كتب الله للبطل الفذ، الفارس الشجاع والرجل المؤمن الواثق بنصر الله، المتلهف لخدمة الدين وحراسة عقيدة الأمة، المسكون بحب الخير، المشرئب دوما إلى وحدة بلاده وتآلف أبنائها على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، المدرك لأهمية رسالة أسرته وشعبه في تحقيق معنى الخلافة في الأرض.. أقول: لما قيّض الله لعبد العزيز، البطل الهمام ورفاقه الأبطال الأشاوس الصادقين المخلصين، استعادة الرياض، فجر الخامس من شوال عام 1319ه، الموافق الخامس عشر من يناير عام 1902م، شرع في العمل فورا، فبدأ ببناء سور حول عاصمته لتأمينها، لأنه جاء – كما أسلفت – بخطة واضحة، ترمي إلى خدمة رسالة سامية، وكان يدرك جيدا أن الوقت المتاح له لن يكفي لتحقيق كل ما تمتلئ به نفسه الكريمة الكبيرة من طموح وثاب، مهما طال، ولهذا كان الوقت أثمن شيء عنده، لا الذهب والفضة أو الدينار والدرهم، لأنه جاء ليخدم.. لا ليسيطر ويحكم. فقضى ثلاثة عقود ونيفا في رحلة جهاد مضنية، لم تقَرّ فيها عينه بنوم، حتى تمكن بفضل الله وتوفيقه، ثم بكفاحه وصدق نيته وثقة شعبه به، من إعلان توحيد بلاده المترامية الأطراف في كيان واحد، في الحادي والعشرين من جمادى الأولى عام 1351ه، الموافق اليوم الأول من الميزان، المقابل للثالث والعشرين من سبتمبر عام 1932م. بعد أن وضع الدستور على هدى كتاب الله وسنة رسوله، ورسّخ أركان الكيان ووحد عقول شعبه وقلوبهم، فأصبحوا بنعمة الله إخوانا كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر. ثم استمرت مسيرة الخير القاصدة على خطى عبد العزيز، الذي قضى حياته كلها، الحافلة العامرة بالعمل والإنجاز، منذ طفولته حتى رحيله عنا في الحوية، ضحى الاثنين الثاني من ربيع أول عام 1373ه، الموافق 9 نوفمبر 1953م، قضاها من أجل خيرنا وعزتنا وكرامتنا ووحدتنا وتلاحمنا وخدمة عقيدتنا وحماية استقلال بلادنا والمحافظة على مقدساتنا وخدمتها، وتمكين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها من أداء نسكهم في طمأنينة ويسر. فسرنا خلف قادتنا الكرام على قلب رجل واحد، وكنا في كل عهد نعلي بنيان عبد العزيز ونزيده قوة ومتانة، فكان كل عهد يحقق لنا خيرا أكثر من سابقه، بداية من عهد سعود فالفيصل، ثم خالد فالفهد، وصولا إلى هذا العهد الزاهر بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك الصالح عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، الذي أدهش العالم أجمع بما حققه لشعبه وأمتيه الإسلامية والعربية، بل ما قدمه لشعوب العالم كله، من دعم حقيقي ومساعدة ظاهرة للعيان، وأفكار جديدة وجريئة، لا سيما ما يتعلق بدعوته الصادقة لحوار الأديان والثقافات والدعوة لاحترام الأديان والمذاهب والتعايش السلمي، والقضاء على أوكار الإرهاب لكي يتفرغ الناس لعبادة خالقهم وعمارة الأرض. ونتيجة لكل هذا التراكم الفريد من النجاحات المتتالية السائرة على خطى عبد العزيز، أصبحت بلادنا اليوم يشار إليها بالبنان.. صحيح لأنها تمد العالم بربع حاجته من الطاقة، لكن صحيح أيضا لحكمة قادتها واعتدال سياستها وهمة شعبها، ثم موقعها الاستراتيجي، وما تنعم به من أمن واستقرار، وما تضطلع به من رسالة سامية لخدمة الناس وتحقيق رخائهم واستتباب أمنهم. فتبوأنا مقعدنا مع العشرين الكبار في العالم. ولا شك، كلكم شاهدتم سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود – حفظه الله ورعاه – ولي العهد الأمين نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، يمثل بلادنا نيابة عن والد الجميع خادم الحرمين الشريفين الملك الصالح عبد الله بن عبد العزيز آل سعود – حفظه الله ورعاه – في قمة العشرين الكبار التي عقدت في مدينة بريسبن الأسترالية يومي الثاني والعشرين والثالث والعشرين من المحرم لهذا العام، مشاركا في صنع القرار الدولي من أجل تحقيق الاستقرار الاقتصادي العالمي، وصياغة نظام اقتصادي عالمي يساهم في تحقيق هدف مجموعة العشرين دولة الكبيرة في العالم، المتمثل في تعزيز نمو قوي، متوازن ومستدام، دون إغفال لمصالح سائر دول العالم، المتقدمة والنامية منها على حد سواء. فضلا عما ننعم به من أمن وأمان، وخير كثير حوّل بلادنا إلى ورشة عملاقة للعمل والإنجاز في كل شبر من أرضها الطاهرة.. مدارس ومعاهد وجامعات، مراكز رعاية أولية ومستشفيات ومدن طبية متكاملة، طرق وجسور وأنفاق وقطارات، مراكز مالية واستثمارات عابرة للقارات، موانئ ومطارات وطائرات تجوب سماء العالم، وسفن وبواخر تمخر عباب البحار والمحيطات، حاملة خير السعودية لشتى بقاع الدنيا و… و… إلخ. وقطعًا، لم يكن هذا النجاح الذي حققه السعوديون بسرعة وإتقان وثبات، يروق لبعض أولئك الذين كانوا حتى وقت قريب يعيّرونا بالبداوة والبعير والصحراء، مع أن الكبار يصفقون من أعماقهم لقادتنا بعد أن أهَّلهم أداؤهم المتميز لحجز مقعدهم بينهم، فاندفعوا يحيكون الدسائس والمؤامرات ليشقوا صف وحدتنا ويعكروا صفو حياتنا ليشمتوا بنا ويفرحوا بانهيار دولتنا. وما علم أولئك المخذِّلون المثبِّطون أن في العرين أسودا لا تهاب الردى، وعيونا يقظة لا تغفل عن حراسة منجزاتها، وعقولا واعية مدركة لنياتها، وتلاحما فريدا بين القيادة والشعب لا يُشَقّ له غبار، وعزيمة صامدة لا تنال منها أبواق الشائعات مهما علا ضجيجها وصخبها، وقيادة شجاعة مقدامة لا تعرف التخاذل والتردد في اتخاذ القرارات المصيرية، كما يؤكد دائما حارس العرين، الساعد القوي المتين، سيدي سمو ولي العهد الأمين وزير دفاعنا. ولهذا كله، وغيره كثير مما تتحلى به قيادتنا ويتصف به شعبنا، أعلنا حربا لا هوادة فيها على الإرهاب منذ اندلاع موجته الأولى في منتصف تسعينات القرن الماضي، وكرَّسنا كل طاقتنا، وحشدنا جهدنا وقوتنا، وبذلنا الدماء رخيصة من أجل حماية بلادنا وسلامة مقدساتنا وأمن شعبنا، فحاصرنا الإرهابيين ولاحقناهم من جحر إلى آخر حتى كسرنا شوكة الإرهاب بسواعد أبنائنا الذين واجهوا شر الإرهابيين بكل شجاعة وبسالة، فقضى بعضهم نحبه وجرح آخرون، وفي كل مرة كانت عزيمتنا على قتالهم تشتد، حتى جففنا منابعهم وقطعنا دابرهم. ومرة أخرى، اغتاظت أبواق الشر والظلام من صمودنا وانتصارنا، وإخلاصنا لعقيدتنا، وتلاحمنا مع قيادتنا فتفتقت عقولهم المريضة عن حيلة شيطانية لإرضاء غرورهم وإشباع رغبتهم في كسر صفنا وانحدار بلادنا وتراجعها عما حققته من مكاسب واستقرار عبر ما يناهز الثلاثة قرون، فكانت جريمة الدالوة البشعة بمحافظة الأحساء، مساء الاثنين 10 المحرم 1436ه، الموافق 3 نوفمبر 2014م، على مواطنين عزل آمنين في حسينية المصطفى، التي راح ضحيتها ثمانية أنفس بين شباب وأطفال أبرياء في عمر الزهور، هذا غير الذين أصيبوا بجراح وحالات هلع وخوف وذعر. ومرة أخرى أيضا، نكون لهم بالمرصاد، فهب الشعب السعودي، من قيادته حتى أصغر فرد فيه، هبة رجل واحد. وفي أقل من أربع وعشرين ساعة فقط، قبض رجال الأمن الأشاوس على خمسة عشر مجرما من أولئك القتلة الجهلة، الذين استباحوا الدماء المعصومة، في مناطق بعيدة كل البعد عن موقع الحدث، مع أننا فقدنا اثنين من أسودنا الأشاوس أثناء مطاردة المجرمين سعاة الفتنة، هما الشهيد النقيب محمد العنزي، والشهيد العريف تركي بن رشيد الرشيد، اللذان استشهدا في مواجهة شرسة ضد اثنين من الإرهابيين القتلة أثناء مطاردتهما إياهما بمجمع استراحات في حي المعلمين بمحافظة بريدة في منطقة القصيم، فأردياهما قتيلين قبل أن يستشهدا، فضلا عمن جرح من رجال الأمن. وهكذا، تتواصل نجاحات رجال الأمن الأشاوس، أبطال نايف النايف، في ملاحقة القتلة المارقين من الملة، حتى تمكنوا من الكشف عن الشبكة الإجرامية التي يرتبط رأسها بتنظيم «داعش» الإرهابي، فقبضوا على سبعة وسبعين متطرفًا في مختلف مناطق المملكة ممن ينتمون إلى هذا التنظيم الظلامي من مبايعين لقائده أو مشاركين في الجريمة أو داعمين أو مموِّلين أو متسترين. ثلاثة وسبعون من المقبوض عليهم، للأسف الشديد، معظمهم له سوابق إجرامية إرهابية، وقد سعت الدولة جاهدة لإعادتهم إلى جادة الصواب وعفت عنهم، لكن الذئاب لم تستطع ترك عادتها، فعضَّت يد الخير التي امتدت إليها سعيًا لزعزعة أمن الوطن وكسر صفه خدمة لأجندات سياسية خارجية. ليس هذا فحسب، بل إن عين رجال الأمن النابهين لا تزال ترصد كل من له علاقة بفاجعة الأحساء، وسوف تظل يقظة على الدوام لكل محاولات قوى الشر والظلام التي تسعى للنيل من بلادنا وأهلها والمقيمين على ثراها الطاهر، بالإرهاب أو إغراقها بالخمور والمخدرات والتغرير بشبابها. وصحيح.. كانت فاجعة الدالوة مفزعة ومؤلمة من حيث توقيتها ونوعها والأشخاص المستهدفين، فاعتصر الألم أنفسنا وتقطعت نياط قلوبنا ونحن نشاهد آباء الشهداء الأبرياء ينهارون منتحبين من هول الفاجعة وصدمة الفقد، كأن في قلوبهم جمرا ملتهبا.. مشاهد قاسية لا توصف، وهم على كل حال معذورون مع تسليم الجميع بالقضاء والقدر، إذ ليس أصعب على قلب الوالد ولا أقسى، من فقد الولد، هذا عن الآباء، فما بالك بحال الأمهات والزوجات والأخوات اللاتي أدمت الحسرة قلوبهن؟! أجل.. كانت فاجعة الأحساء صادمة، ليس لذوي الشهداء من مدنيين وعسكريين، بل للوطن كله، فكلنا بكينا مع نورة طفلة الشهيد العريف تركي الرشيد الوحيدة ذات الخمسة أشهر، ومزقت دموع أبناء الشهيد النقيب محمد العنزي أرواحنا. ومع هذا كله، فقد كانت الحادثة فاجعة أيضا للجانب الآخر من منفذيها والمحرضين عليها ومؤيديها، إذ رأينا كيف تنادى الوطن، بداية من قيادته العليا حتى أبسط فرد فيه، للمواساة ولملمة الجراح ومعاقبة القتلة الجهلة المتطرفين، فطاف صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف، شبل نايف النايف، مناطق المملكة في يوم واحد، متنقلا بين الأحساءوالقصيم وحائل، معزيًا ومواسيًا ومستقبلاً المعزين في الوقت نفسه ومحتضنًا أبناء الشهداء، وزائرًا الجرحى في المستشفيات، مؤكدًا لذويهم أنهم في حضن الوطن، بل في قلب خادم الحرمين الشريفين وعينه، وسوف يظل الوطن كله مكان والدهم، موضحًا للجميع أن الدولة – حرسها الله – سوف تضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه العبث بأمن الوطن وأهله. ومن جهة أخرى، تدافع المواطنون بعفوية، يتقدمهم أمراء مناطق الأحساءوالقصيم وحائل الذين حملوا نعش الشهداء مع ذويهم إلى مثواهم الأخير، فشارك أكثر من سبعين ألف مواطن في تشييع شهداء الدالوة، محوّلين فتنة الإرهابيين إلى ملحمة وطنية بامتياز، وهم يهتفون: إخوان سنة وشيعة.. هذا الوطن ما نبيعه. مرددين مع الأمير فيصل بن جلوي آل سعود: كلنا القارة وواحات الحسا وكلنا في يوم عاشورا صيام القرى منّا وفينا أم القرى والديار أديارنا أمن وسلام والغرير اللي بغره ما درا أننا نفرق على باقي الأنام بلّغوا المأزوم من كفّر غلا باء بالتكفير من كفّر شمام **** السعودي واضحن النقا يكفي أنه في البشر راس السنام ليس هذا فحسب، بل إن أهالي الدالوة في المملكة لملموا جراحهم وجاءوا يتقدمهم زعماء الشيعة في المملكة لأداء واجب العزاء في شهداء الوطن في القصيم وحائل، مؤكدين مع هيئة كبار العلماء في المملكة، التي سارعت لإدانة الحادثة في لحظتها الأولى، أننا نعيش في هذا الوطن إخوة متحابين متشاركين الحقوق والواجبات على أساس المواطنة الحقة، لا الطائفية البغيضة التي لم يعرفها هذا الوطن عبر تاريخه العريق، مسددين بهذا صفعة مدوية لدعاة الفتنة الحاسدين الحاقدين على أمننا واستقرارنا ووحدتنا وتلاحمنا، قادة ومواطنين. والحقيقة لا أعرف، وأحسب أنكم لا تعرفون أيضا، أية دولة إسلامية وأي جهاد وأي مجاهدين أولئك الذين يستبيحون الدماء المعصومة، ويقتلون الأطفال والنساء والرجال بالجملة، ويحزون الرؤوس ويعلقونها للمارة ويطوفون بها الشوارع ويعدمون الأسرى ويرجمونهم، ويَسْبون النساء الآمنات المستضعفات، ويفجّرون الدور والمؤسسات وحتى السجون على رؤوس كل من فيها، ويفعلون كل قبيح ويأتون كل منكر و… و… ويقترفون ذلك كله باسم الدين واتباع هدي سيد المرسلين، فشوّهوا سمعة الإسلام ورسخوا مفهوم الغرب وأعداء الإسلام عن ديننا وشريعتنا، جاهلين أو متجاهلين أنه لا توجد في سيرة الإسلام كلها عبر تاريخه الطويل حادثة قتل واحدة لإزهاق روح معصومة بسبب الكفر. فجهاد الكفار وقتالهم في ديننا ليس لأنهم كفار، فهذا شأنهم وربهم هو الذي يحاسبهم على معتقدهم لا نحن، بل من أجل حربهم وظلمهم للمسلمين وبغيهم عليهم. والجهاد كما هو معلوم عبادة، ولا تكون العبادة بقتل الناس ظلما وعدوانا. فديننا بريء من الكره والعداء واستباحة سفك الدماء. فمنذ إعلان دولته المزعومة في المناطق التي سيطر عليها في سورياوالعراق قبل خمسة أشهر حتى اليوم، أعدم ما يعرف ب«تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) أكثر من ألف وخمسمائة شخص في سوريا وحدها، معظمهم مدنيون عزل، بل نساء وأطفال، إضافة إلى خمسة غربيين بينهم ثلاثة أشخاص كانوا يقدمون الإغاثة للشعب السوري المنكوب بسبب فظاعة الدواعش، فضلاً عن تهجير مئات الآلاف إلى تركيا والأردن ولبنان فاضطروهم إلى الحياة في ظروف أشبه ما تكون بالجحيم، إضافة إلى نحو ألف عنصر منهم لقوا حتفهم منذ بداية غارات التحالف عليهم. فخدموا بعملهم هذا أعداء الأمة، فأطلقت دولة الكيان الصهيوني يدها في فلسطين، وصادقت حكومتها على تشييد مائتي وحدة استيطانية جديدة في القدس، وهدمت منازل المقدسيين وطردت بعضهم خارج مدينتهم. كما أطلق الحوثيون يدهم في اليمن وأقاموا محاكم التفتيش، سائرين على نهج الدواعش في ذبح الناس وتدمير ممتلكاتهم وسلب أموالهم. ونشطت «بوكو حرام» في نيجيريا، فاختطفت مائتين وستا وسبعين تلميذة بريئة من مدينة شيبوك.. وغير هذا كثير من الفظائع والجرائم التي ارتكبتها (داعش وأخواتها) باسم الإسلام، من «جماعة خراسان» إلى «السلفية الجهادية» و«جماعة أنصار بيت المقدس» و«جند الخلافة في الجزائر» و«جبهة النصرة» وغيرها من حركات قتل وخراب.. ناسين أو متناسين أن ديننا دين رحمة ومحبة وتآلف، انتشر بالعدل والفضيلة والقيم النبيلة والأخلاق السامية الكريمة، لا بالكراهية والقتل والاعتداء والسلب والنهب وسبي الحرائر وانتهاك أعراضهن. فإن أراد هؤلاء حقًّا نشر دين الله، فليقتفوا سنة من أرسله الله رحمة للعالمين الذي غمر برحمته حتى النبات والحيوان، فضلاً عن الإنسان الذي جاء صلى الله عليه وسلم لإنقاذه من الظلام إلى النور، بالرحمة والعطف والشفقة والقدوة الحسنة، لا بالسيف والحديد والنار والدمار، كما تفعل «داعش» وأخواتها. واليوم، وجه قائد مسيرتنا وحادي ركبنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود – حفظه الله ورعاه – صاحب المواقف الوطنية والإسلامية والعربية والإنسانية النبيلة، الذي ساهمت حكمته وسياسته وصدق نيته في استقرار الأمن القومي وتوفير بيئة ملائمة لتعاون عربي ودولي للتغلب على كثير من المشكلات والمعضلات، فأصبحت بلادنا بفضل حكمته داعما حقيقيا للحوار والسلام والاستقرار ومحاربة العنف والتطرف والإرهاب في العالم. أقول: اليوم وجه أبو متعب صفعة مدوية لمحاولات الدواعش المستميتة لكسر صفنا، وتفريق شملنا، عندما دعا قادة مجلس التعاون لاجتماع في الرياض، عاصمة العروبة، عقد يوم الأحد 23 المحرم 1436ه، الموافق 16 نوفمبر 2014م، لرأب الصدع وطي صفحة الماضي وقطع الطريق أمام كل متربص بخيرات الأمة ومكتسباتها. قررت بموجبه السعودية ومملكة البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة نسيان الماضي وطي صفحة الخلاف مع دولة قطر الشقيقة وعودة السفراء إلى الدوحة. واليوم، وأنا أكتب مقالي هذا، حملت إلينا الصحف الصادرة في صفحاتها الأولى، خبر وصول الشيخ عبد الرحمن بن سعود آل ثاني، وزير الدولة القطري إلى الرياض حاملا دعوة كريمة لخادم الحرمين الشريفين لحضور أعمال القمة الخامسة والثلاثين للمجلس الأعلى بدول مجلس التعاون الخليجي، التي تستضيفها دولة قطر الشقيقة يومي التاسع والعاشر من شهر ديسمبر الحالي، تأكيدا على نجاح الدبلوماسية السعودية وحكمة القيادة الراشدة الصادقة. وعليه، أقول للدواعش: موتوا بغيظكم، فلن تتمكنوا من تنفيذ أجندات من استأجروكم، وستجدوننا بالمرصاد لكل محاولاتكم اليائسة، وإن كنتم حقًّا صادقين في دعوة الناس لدين الله، فاتبعوا هدي محمد بن عبد الله الذي أرسله ربه رحمة للعالمين، فساعدوا العالم اليوم في التخفيف من حدة الفقر، إذ يعيش ثلث سكانه فقرًا مدقعًا، بأقل من دولارين في اليوم، شيّدوا المدارس للأطفال المشرَّدين والمستشفيات للمرضى الحائرين ودور السكن للمهجَّرين وابذلوا الخير في كل الميادين.. ساعتئذٍ، سننضم نحن أيضا إليكم، وسنعمل معًا لاقتفاء هدي سيد المرسلين في هداية الناس من الضلال إلى الإيمان، كما نفعل دائمًا. مؤكدا لكم أن محاولاتكم تلك لن تنجح مهما اجتهدتم، فهذه الصين التي يشكل سكانها ثلث سكان العالم اليوم، استطاع أهلها التعايش مع أنهم ينتمون إلى سبع وخمسين قومية مختلفة، وبين أفراد كل قومية اختلافات جوهرية، فلن نعجز نحن – سنة وشيعة – أن نعيش في إخاء ووئام إلى الأبد. وإن أعدتم قراءة التاريخ بعين فاحصة ونية صادقة، فسوف تكتشفون تجربة السعودية الرائعة الفريدة في التسامح والعدل ونبذ التعصب والإقصاء، وهو مبدأ أساسي في سياستها، نشأ معها وسوف يظل فيها إلى قيام الساعة إن شاء الله. وقبل أن أختم، أجده لزامًا علي أن أعبر عن عظيم امتناني لمحافظة جدة، التي أطلقت أسماء عشرة من شهداء الواجب على شوارع رئيسة بالمحافظات التي استشهدوا فيها، متمنيا على كل مناطقنا ومحافظاتنا أن تحذوا حذوها.. فتخليد ذكرى أولئك الأبطال هو أقل ما يقدمه الوطن من واجب تجاه تضحياتهم.. وكل عام قيادتنا بخير وبلادنا في أمن وسلام وشعبنا من خير إلى خير أعظم. بقلم: اللواء الركن م. الدكتور بندر بن عبد الله بن تركي آل سعود رابط الخبر بصحيفة الوئام: القافلة تسير.. ولو كره الدواعش