نظمت هيئة المواصفات والمقاييس والجودة ثلاث ندوات تعريفية لمشروع الاستراتيجية الوطنية للجودة في ثلاث مدن رئيسية هي (جدة – الدمام – الرياض) على التوالي، وقد دُعيِت إلى الندوة والتي أقيمت بمدينة الرياض في 21 ذو القعدة 1435ه الموافق 16 سبتمبر 2014م، والتي أقيمت بمقر الهيئة الرئيسي بمدينة الرياض، وتأتي هذه الندوات امتدادًا لرؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بأن تكون (السعودية بمنتجاتها وخدماتها معيارًا عالميًّا للجودة والإتقان)، وقد تحدث المحاضرون في تلك الندوة بمن فيهم معالي رئيس هيئة المواصفات والمقاييس عن خطط وبرامج ذلك المشروع. والهدف من هذا المشروع هو توفير إطار شامل كنموذج وطني لمعايير الجودة؛ لتمكين جميع القطاعات المشاركة في هذه الاستراتيجية، ومن خلال إيجاد برنامج شامل لنشر ثقافة الجودة وتطبيقاتها في جميع مجالات الخدمة والمنتجات، وكذلك الإسهام في تحقيق أعلى مستويات الجودة في مجال الخدمات والمنتجات لجميع القطاعات المستهدفة وفق (المعطيات) الخاصة في كل قطاع، وأن تحقيق المشروع يبنى على عدة عوامل أهمها: توافر الإمكانات البشرية والمادية، وأنه تم وضع خريطة طريق بناء مشروع الاستراتيجية من طريق الممارسات والمتابعة والتقويم، وبناء المعايير والنماذج، ودراسة البيئة والتحديات وتحديد التوجهات، وأن هناك عددًا من التحديات، أهمها: توحيد المسار والتخطيط السليم الواقعي، والقيادة الاستراتيجية، واستخدام التقنية بشكل غير سليم، والروتين الممل، والتمويل السليم. إذن الهدف هو وضع استراتيجية وطنية بكل مكوناتها الفكرية والمنهجية وطريقة تنفيذها وإدارتها، وكذلك تأهيل كوادر وطنية متخصصة بمهنية. ومن خلال حضوري للندوة ومداخلتي بها بعدد من الموضوعات والعناصر المرتبطة بموضوعها، كتبت عددًا من النوافذ وهي: أولاً: أثناء حديث المشاركين عن الاستراتيجية تم الاستشهاد بقصة نجاح (مهاتير) رئيس وزراء ماليزيا ورؤيته (ماليزيا 2020)، وأوضحت أن هذا الاستشهاد في غير مكانه، وأن هناك فرقًا واضحًا وهو أن مهاتير عندما وضع رؤيته لتطوير ماليزيا من مجتمع زراعي إلى مجتمع صناعي كان يعلم أن تحقيق تلك الرؤية يحتاج إلى جيل جديد يتم تعليمه وإكسابه المفاهيم والمهارات المطلوبة للمجتمع الصناعي، فالمدة الزمنية لتحقيق الرؤية هي مدة إعداد نشء جديد لمدة تعليم كاملة تتجاوز عشرين عامًا، ومقارنة بين ذلك والمدة المخصصة للاستراتيجية الوطنية (2020)، والاستشهاد بتلك التجربة هي مقارنة في غير مكانها، مع العلم أنه بيننا وبين (2020) ما يقارب خمس سنوات، فهل يمكن ذلك؟ ثانيًا: معظم النجاحات التي تحققت في مختلف البلدان الصناعية والدول المتقدمة كان يرتكز على أسس ومتطلبات ألا وهي الثقافة أو بمعنى أدق القيم التي يمتلكها الإنسان لتحقيق الخطط والبرامج والمشاريع، ومهاتير محمد عمل على ذلك، والسؤال هل الاستراتيجية الوطنية أخذت في الاعتبار والحسبان ذلك، مع العلم أن بيننا وبين (2020) بإذن الله خمس سنوات، وهل هذه المدة الزمنية كافية لغرس القيم المطلوبة لتحقيق الاستراتيجية، وأن تكون قادرة على تخطى التحديات التي ذكرها المشاركون في الندوة؟ ونجد أن موضوع القيم من أهم القضايا الاستراتيجية والتي تغيب عن كثير من المهتمين بالتخطيط والجودة والمخططين لسببين الأول: الضعف العلمي والتخصصي في التخطيط والجودة، والثاني أن القيم تحتاج إلى مشروع قائم بذاته ومدة من الزمن وهي بمثابة الأساس والأرضية لنجاح المشاريع والبرامج. ثالثًا: على الرغم من أهمية القيم في التخطيط الاستراتيجي للمشروع إلا أنها كانت غائبة في الفكر والطرح، وكان من الأولى أن توضع في الاعتبار، وتكون أحد عناصر ومرتكزات التخطيط الاستراتيجي. رابعًا: أتمنى من كل شخص حريص على نهضة الوطن هذا الكيان الشامخ وتقدمه وتنميته أن لا يكون موضوع الجودة والتخطيط الاستراتيجي بالنسبة له مجرد حب وغرام، ففي زمن الاحترافية والتخصص نحتاج من يتقن العمل ويتفنن به، وليس مجرد اهتمامات وربما تكون (عابرة). خامسًا: أتمنى من القائمين على الاستراتيجية الوطنية للجودة الاستفادة من الاستراتيجية الخاصة بوزارة التعليم العالي (آفاق) فهي لم تضع كل ما يتعلق بالخطط الاستراتيجية ولا المعايير اللازمة، بل وضعت إطارًا مرجعيا متكاملا تستطيع الجامعات السعودية أن تنطلق منه وتعمل في أبعاده المختلفة، ويكون للجامعات كالموجه في وضع الخطط الاستراتيجية مع إعطاء الحرية الكاملة للجامعة في بناء وعمل خططها الاستراتيجية، وبما يتناسب مع واقعها وإمكاناتها المادية والبشرية، ويمكن للاستراتيجية الوطنية للجودة أن تستفيد من ذلك في وضع إطار مرجعي متكامل له منطلقات وأسس وأبعاد، يمكن للجهات والقطاعات المختلفة أن تستفيد منه وتنطلق منه في وضع المعايير الخاصة بها، أما بالطريقة التي ذكرت في عرض المشاركين فلا يمكن للاستراتيجية أن تحقق الجودة لجميع القطاعات المستهدفة والعريقة. سادسًا: نجد أن هناك اختلافات كبيرة وكثيرة بين القطاعات المستهدفة فمنها الحكومية ومنها الخاصة، وقطاعات إنتاجية وقطاعات خدمية، ومجالاتها مختلفة فمنها الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية و..إلخ، وهنا يكمن التحدي الكبير وهو أنه لا يمكن أن نضع استراتيجية للجودة واحدة لقطاعات مختلفة ومتباينة، فالمعايير والمؤشرات والممارسات تختلف، وبالتالي هذا يضع أمام الجميع استفهامًا كبيرًا في إعادة النظر في الآلية والخطة التي تسير عليها الاستراتيجية الوطنية للجودة. سابعًا: تم الحديث عن قياس جاهزية الجودة والتميز المؤسسي بالقطاعات المختلفة في المملكة ضمن مشروع الاستراتيجية الوطنية للجودة بغرض قياس جاهزية هذه القطاعات في مجال الجودة والتميز المؤسسي لوضع الاستراتيجية الشاملة، وبناء عليه أقول كيف يمكن قياس جاهزية الجودة والمؤسسات والقطاعات المراد قياسها مختلفة ومتباينة في أهدافها وبيئتها ومؤشراتها؟! فالصناعية غير التعليمية، ولا يمكن إيجاد معايير ومؤشرات موحدة لقياس بيئات مختلفة، ولو كانت تلك المعايير عالمية، فالمفترض أن تبنى المعايير من البيئة وفق الرؤية والطموح المراد تحقيقه والوصول إليه، وبعد ذلك يمكن الاستفادة من بعض النماذج العالمية في عملية المقارنات المرجعية لأجل تطوير العمل وإطاره وتطوير المعايير الخاصة به. ثامنًا: مسألة أخرى في غاية الأهمية وهي متعلقة ببناء وتصميم معايير ومؤشرات الجودة والتميز في الأداء، ينبغي التنبه لها وأخذها في الاعتبار، وهي أن الجوائز العالمية عندما بدأت تضع معاييرها الخاصة بها ولم تأتِ بمعايير خارجية لتعمل وفقها، بل عملت على تشخيص واقعها الحالي ثم وضعت له رؤية تريد تحقيقها والوصول إليها، وكانت المعايير والمؤشرات هي متطلبات جسر العبور من الواقع الحالي إلى تحقيق الرؤية، وفق خطة عمل واضحة المعالم والإجراءات. تاسعًا: بعد أن يتم العمل بالمعايير والمؤشرات التي وضعت بناءً على الواقع والرؤية التي يراد تحقيقها، وبعد فترة من الزمن والعمل وفق الخطة الموضوعة يمكن عمل مقارنات مرجعية مع المعايير والمؤشرات العالمية، ولا بد من تحديد فئة واحدة من معايير التميز، وليس الأمر هو جمع عدد من معايير التميز المختلفة ثم نصنع منها مسخًا مشوهًا من المعايير لنقارن به فهذا محال. عاشرًا: إن مجرد الاهتمام بالجودة والتغني بها لا يكفي لتحقيقها، بل يتطلب الأمر اهتمامًا ثم تخصصًا ثم احترافية في العمل، وهذا يحتاج إلى مختصين مؤهلين وعلى قدر عال من الاحترافية، وإعداد عالي المستوى من التمكين والممارسة. د.خالد بن عواض الثبيتي أستاذ الإدارة والتخطيط @Drkhalid2020 رابط الخبر بصحيفة الوئام: نوافذ حول الاستراتيجية الوطنية للجودة