نصلي خمس مرات في اليوم، ونتوقف عن شؤون الحياة لكي نؤدي الصلاة المكتوبة، وتُغلَق جميع المنافع التي يحتاجها الناس سواء الضرورية أو غيرها، عدا المستشفيات، وقد يَعُدَ البعض ذلك ميزة تميزنا عن غيرنا، وتقليد ديني أنزلوه منزل الواجب الذي لا جدل فيه. فتُوقَف جميع الأنشطة حتى قبل بداية دخول الوقت، وتبدأ مرحلة تنبيه الناس إلى أن وقت الصلاة قريب، ثم تتوقف كليا، فنرى طوابير السيارات عند محطات البترول، في وقت يكون فيه العامل السيخي متمددا داخل غرفته، وحصل على راحة لم يحلم بها في أي بلد آخر.. وهناك مِن ورائه طائرُه أو موعد ضروري، فينتظر حاله حال غيره. وفي وقت يتبضع فيه الناس في المحلات، والكل أمامه عربة التسوق، وقبل الصلاة بلحظات يخرجونهم، وحتى لو كنت أمام المحاسب فلا يمكن أن يخلص مَن وَقَف في الطابور ويذهب إلى الصلاة، بل يكون أمامه ثلاثة متسوقين أو أقل فيغلق الصندوق، وليست عليه ملامة، فهو عبد مأمور، مع أن الصلاة لا يمكن أن يخرج وقتها بسرعة، ففي الأمر سعة، وبعض المحلات الكبيره تسمح بأن تتسوق تحت الأضواء الخافتة، لكن لن تحاسِب إلا بعد انتهاء وقت الصلاة، وبعضهم يأمر الناس بالخروج فيركنون عرباتهم على جنب ويخرجون، فيجلس الناس عند الباب، خصوصا النساء لأنه لم توفر لهن غرفة صغيرة للصلاة عند المحلات، ولا حتى كراسي خارجية، ناهيك بالأسواق الداخلية وافتراش النساء أمام المحلات، ومنهم من يجلس في السيارات، والبعض يذهب إلى المسجد، والكثير عمالة أو سائقون غير مسلمين، لكن مثلنا ينتظرون، حتى تنقضي الصلاة ثم يرجع كل واحد ليضع في عربته باقي حاجياته.. وحتى ملاهي الأطفال في الأسواق والمتنزهات تغلِق كأنه وجبت عليهم الصلاة. لِمَ كل هذا! في الوقت الذي كانت الصلاة راحة جعلوها تعطيلا للناس، فتجدنا نسرع ونأخذ حاجاتنا بقلق حتى لا يغلق المحل ولا نضطر إلى الانتظار خارجا والتأخر في العودة، خصوصا وقت صلاة المغرب والعشاء، لأن الوقت بينهم قليلا، لماذا لا توضع في المحلات الكبيرة والمكتبات غرفة صغيرة واحدة للرجال وواحدة للنساء، حتى إذا حَلَّت الصلاة أدوا فرضهم بسهولة من دون إغلاق المحل وأكملوا تسوقهم.. ولو نظرنا إلى الأمر من ناحية أخرى، هل إقفال المحلات والصيدليات والمحطات بأمر ديني أم أمر مجتمعي فُرِض على الناس من أجل التمسك بمظهر المجتمع المتدين الذي يطبق الشريعة ولو متنطعا بالدين، وحتى يكون المجتمع على خطى واحدة.. غالب فئات المجتمع تؤيد إغلاق المحلات وتوقف جميع الأنشطة، بلا دليل سوى أنهم تعودوا إغلاقها، وأن الناس لن تصلي إلا بإغلاق كل محل حتى لو كان شيء ضروريا جدا، فلا ضير عندهم، أهم شيء أن يمشي المجتمع على طريقة واحدة، وتقليد واحد.. أعرف أن كلامي لا يعجب هؤلاء، ومن الصعب إقناعهم، ويظنون أني ضد المساجد وإقامة الصلاة، وأعرف أن الصلاة سكن وراحة للنفس، وأن من ضمن ما يسعد الأنسان ويجعله مطمئنا هو المحافظة على الصلاة، لكن ليس عن طريق تعطيل المصالح وتوقف جميع الخدمات. جميع المسلمين بالعالم مثلنا يصلّون، لكن لم يجعلوا الصلاة سببا لتوقف الحياة، بل يمارسون حياتهم بشكل تلقائي، فيسمع المؤذن ويذهب إلى المسجد بكل رغبة.. يفترض أن يكون إغلاق المحلات اختياريا، فمن يُرِد إغلاق محله ليرتاح لإقامة الصلاة أو يكافئ عماله المسلمين فله ذلك، ومن أراد أن يفتحها فله ذلك، خصوصا أن الكثير من المحلات بها عمالة هندوسية وسيخية ومسيحية لا تعرف الصلاة، ووقت الصلاة هو وقت راحة لهم، على الأقل نضمن أن هناك أماكن خدمات مستمرة قد يحتاجها أحدنا بأي لحظة.. إن توقف الأعمال جميعها وقت الصلاة من دون مراعاة مصالح الناس هو تكليف إضافي، لنجعل الدين مظهرا خارجيا حتى نُثْبِتَ للعالم أننا الوحيدون الذين نحترم الصلاة، ونقدسها، حتى لو كان على حساب احتياجات الناس المريض منهم والمسافر، خصوصا أن كل وقت صلاة يحسب لها نصف ساعة لتتوقف فيها جميع الأنشطة. لأنه من أراد الصلاة مجرد ما يدخل وقتها فسيفرغ نفسه لها، ولن ينتظر أن يُجبَر بتوقيف عمله وإخراجه من المحل لكي يصلي. ودينيا ترك البيع فقط وقت صلاة الجمعة، قال تعالى (يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصّلاة مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) صدق الله العظيم.. ولا أظن أنه داخل في البيع الصيدلية والمحطة أو باقي أيام الأسبوع، لأنها حاجات أساسية لا يستغني عنها الناس، وقد يقول قائل إن إيقاف الحياة العامة ساعتين ونصف في اليوم ليس كثيرا من أجل الصلاة، وأنا أقول: نعم، ليس كثيرا حتى لو صليت ما بدا لك، لكن إذا كنت في مسجدك أو مصلاك، وليس خارجه وتعطيل لمصالح العباد. رابط الخبر بصحيفة الوئام: ترك البيع إذا نودي لصلاة الجمعة