تقف السعودية اليوم بكل مكوناتها أمام مفترق تاريخي، وتواجه أخطاراً محدقة، فالمنطقة بأكملها تعيش إعادة تموضع لا ينتهي إلا ونحن نشهد ملايين القتلى، وملايين مثلهم أو أكثر من المشردين واللاجئين، مضافاً إليها سقوط دول، وتشكل دول أخرى. وبمعنى أكثر دقة نحن أمام خريطة جغرافية وجيوسياسية جديدة، سيسفر عنها شرق أوسط جديد، سيعيش ال100 عام المقبلة في جلباب آخر غير ذلك الذي عرفه في عقوده الماضية. هذا التغير الهائل في بنية المنطقة «اليوم»، سياسياً وقُطرياً واجتماعياً ومذهبياً، جاء نتيجة مخطط قادته دول عظمى ونفذته عصابات الخيانة، من أجل هدم المنظومة المتشكلة والمتراكمة التي بنتها الشعوب العربية طوال ال100 عام الماضية. ولكن أين تقف السعودية دولة وجغرافيا وشعباً، من كل تلك الأخطار والتحديات؟ أجزم كما يجزم الكثير أن السعودية تخوض منذ ال11 من سبتمبر 2001، حرب بقاء قاسية وصعبة، تنوعت وتغيرت باختلاف التكتيكات، لكن الاستراتيجية بقيت واحدة، هادفة لتفتيت الدولة وتمزيق وحدتها، وتفريق شعبها. كيف لا والسعودية هي الجائزة الكبرى في المنطقة، بمقوماتها الاقتصادية الهائلة، ومخزوناتها الوافرة من الطاقة، إضافة إلى المكانة المقدسة لها بين المسلمين، وفي العالم أجمع. فاليابان وألمانيا وكوريا، مع ما تعرضت له من أخطار، استطاعت من خلال الإيمان بمصالحها الخاصة فقط، أن تنهض من كل كبواتها، وأن تقف في الصف الأول، كتفاً بكتف مع كل القوى العظمى اليوم. ولذلك كله يجب أن يكون المشروع السعودي القادم هو «السعودية أولا»، ثم تأتي بعده بمراحل أي اهتمامات أخرى، بكل ما تحمله من معاني «الانكفاء» للداخل، قبل أن يدهمنا الأعداء في لحظة سيولة سياسية، أو أمنية لا سمح الله. وتأتي «السعودية أولاً» من خلال الأفكار الآتية: أولاً: لا شيء يعلو فوق المصلحة الوطنية، مهما كانت أهميتها أو حجم التعاطف معها، ويتطلب ذلك القضاء التام على كل مناشط الخيانة والتأليب والعمالة في الداخل، وأن مساحات التسامح التي كانت مقدمة في التعامل، يجب أن تتراجع، أمام هول الأخطار التي يرتكبها أولئك الخونة. ثانياً: يجب على السعودية الخروج من عباءة الأخ الأكبر الحاضن والمتسامح مع الجميع، إلى دور القائد الذي يدفع المنطقة كلها لمشاريعه الحيوية الخاصة، وبسط مصالحه العليا على الجميع. ثالثاً: المشاريع والمصالح السعودية الحالية والمستقبلية هي الرقم «الأول»، وهي من تقف الهممُ والأفكار لها ومعها، وعلى كل الأجندات المحلية والإقليمية وحتى الدولية أن تتراجع أمامها. رابعاً: يجب أن يعي الجميع أن بيوتنا وشوارعنا وحاراتنا ومدننا ووطننا، أهم عندنا من بيوت وشوارع ومدن و أوطان الآخرين، «رضي من رضي، وأبى من أبى». خامساً: خطوط السعودية الحمراء، هي في كل أرض وتحت أي سماء تتعرض فيه مصالح السعودية للأخطار، كل ذلك من أجل الحفاظ على قلبها الداخلي أمناً، بدءاً من عيون الأحساء شرقاً وحتى بحر جدة غرباً، ومن من عرعر شمالاً إلى الوديعة جنوباً. سادساً: إن أي ولاءات خارجية، بمسمى الممانعة، أو الأخونة، ما هي إلا جسور للخيانة، ومشاريع للتجسس على الوطن ومقدراته. سابعاً: للسعودية كما غيرها فضاء حليف معها يمتد من باكستان شرقاً إلى حدود مصر غرباً، ومن حدود الأردن شمالاً إلى بحر العرب جنوباً، فكل من يتحالف معنا هو في قلوبنا وبين جوانحنا، ومن يحاربنا سراً أو علناً، نحاربه علناً، ونستبدل قفازنا الحرير معه بقفاز من فولاذ لا يلين.