عثر الدفاع المدني على أشلاء من جثة لمى الروقي ، ولم يعثر المجتمع على حل ناجز وسريع يضمن عدم تكرار مثل هذه الحوادث المأساوية في صحاري المملكة. ففي كل مرة يكتفي المسؤولون بمعاقبة صاحب البئر شخصا كان أو مؤسسة ، ويتجاهلون السبب الأساسي وهو الإهمال، ويدفع الأبرياء ثمن عدم متابعة مثل هذه الآبار المكشوفة أو المطمورة جزئيا والتي تحولت إلى فخاخ للموت الارتوازي لا يفلت منها إلا من كتب الله له عمرا جديدا في أعماقها وتحت طبقات الرمال. فإن أخطأ صاحب البئر ، إلا أن الخطأ الأكبر يقع على مسؤول متابعة الآبار وصيانتها ، وعلى إدارة الدفاع المدني ، وغيرها من الجهات المعنية وذات العلاقة . فأين كانوا أثناء حفر البئر وردمها بطريقة غير أمنة ، لا تتوفر فيها أدنى شروط السلامة والأمان ؟. كاد يجن عقلي ، وأنا أتابع عمليات الإنقاذ أولا بأول ، تعجبا من البطء في الإجراءات ، احتبست دموعي قهرا وكمداً ، والدفاع المدني يعلن أنه استعان بحفار خاص من شركة أرامكو بالمنطقة الشرقية، وينتظر وصوله لاستكمال عمليات انتشال الجثة . فلماذا لم يأت هذا الحفار من أول يوم سقطت فيه لمى بنت السنوات الست ؟ وهل في كل مرة يسقط طفلا أو كهلا في بئر ارتوازية ننتظر أن يأتينا الحفار المنقذ من هنا أو هناك ومن على بعد آلاف الأميال والكيلو مترات ؟ وهل مثل هذه الحوادث المميتة يجدي معها هذا الانتظار؟ يقولون أنه تم تحريك قوة إسناد بشري وآلي من مديرية الدفاع المدني بمنطقة تبوك ، وقوة طوارئ خاصة مزودة ب 38 آلية و 112 عنصراً بشرياً. كما تمت الاستعانة ب 53 آلية من المعدات الثقيلة من الجهات الحكومية والخاصة و استدعاء فرق إنقاذ متخصصة من مديريات الدفاع المدني بالمدينة المنورة والقصيم والرياض وإدارة الدفاع المدني بالطائف لتنفيذ خطة الإنقاذ . ورغم كل هذا رحلت لمى محتضنة دميتها بعد 14 يوما قضتها في أعماق البئر . نعم إجتهد رجال الدفاع المدني وبذلوا كل ما لديهم في سبيل إخراج لمى حية ، ولكنها إرادة الله ، التي قد تكون سببا لأن نتعامل مع مثل هذه الآبار منذ بداية حفرها وحتى عمليات ردمها بشكل آخر من المسؤولية والجدية والحذر ، وأن ننظم من أجلها حملات التوعية لإيقاظ ضمائر المسؤولين قبل المواطنين. والغريب هنا أن الدفاع المدني يعترف بان صاحب البئر حفرها بكل هذا العمق قبل خمس سنوات ثم عاد وردمها . ولكن لم يخبرنا الدفاع المدني أين كان موظفوه لحظة الحفر ثم الردم ؟ ولماذا لا يكون هناك تنسيق مسبق بين البلدية والأمانة والدفاع المدني ،وغيره من الأجهزة المعنية قبل البدء في حفر الآبار ، ووضع علامات إرشادية حولها على غرار ما هو معمول به في المناطق العسكرية ؛ للتوعية وللتنبيه إذا كان هناك خطر أو أي شيء يشير إلى أن المكان به بئر قديمة تستوجب الحذر والاحتراس. والأغرب اعترافه أيضا بالاستعانة ب 4 عمال أفغان لديهم خبرة في حفر الآبار، ألهذه الدرجة لا يتوفر لدينا عمالة ماهرة أو خبراء في التعامل مع حوادث الآبار ؟ فلماذا إذن ننفق ملايين الريالات على عمليات تدريب وتأهيل رجال الدفاع المدني على عمليات الإنقاذ ؟ أننا هنا لا نستبق إجراءات التحقيق ، ولا نتعجل القرارات ، وإنما ندق ناقوس الخطر، ا بعد تكرار مثل هذه الحوادث ، التي تكشف في كل مرة عدم توفر أدوات وأساليب التعامل السريع مع الضحية وانتشالها مبكرا ، وإنقاذها دون أن تنهار فوق رأسها أكوام الرمال والمخلفات . رحلت الصغيرة ممسكة بدميتها ( لعبتها ) ، ولم ترحل بعد أحزان الأسرة والجيران وأهل المنطقة على الطفلة الجميلة ، التي دفعت روحها ثمنا للامبالاة ، وعدم الاكتراث بحياة الآخرين . رحلت لمى وبقيت العديد من علامات الاستفهام حول المسؤول الحقيقي عن مثل هذه الكوارث المروعة. ردم الحفار فخ الموت ، ولكنه لم يستطع ردم فجوة الألم في قلوب أهل حقل وأبناء المملكة . غادرت كل الرتب والآلات والمعدات المكان ، وبقيت رائحة الإهمال شاهدة على أن مأساة طفلة حقل التي تابعها العالم يوم الجمعة 17 صفر 1435ه لن تكون الأخيرة ، وقد تتكرر في المنطقة نفسها أو غيرها ، في ظل غياب التوعية وعدم متابعة هذه الأفخاخ ، والتحرك السريع لمعاقبة كل من يجعلها سببا في اصطياد الأبرياء. فهد الحارثي رابط الخبر بصحيفة الوئام: فخاخ الموت الارتوازي