كثر الحديث عن قيادة المرأة السعودية للسيارة ، وهي المرأة الوحيدة في العالم التي سلبت هذا الحق، وأقحم بعض المشايخ أنفسهم في الأمر عنوة، وهيجوا العامة على ضرورة المنع ، حتى اعتبر البعض الأمر معركة مصيرية، سيؤتى الإسلام من قِبل قيادة المرأة السعودية للسيارة ! المرأة السعودية التي تقطع مسافات مضنية داخل مدينتها يوميا قبل موعد دوامها بساعتين، وتجوب الأحياء مع سائق نزق يجمع زميلاتها الموظفات أو الدارسات ، وتعود إلى المنزل بذات الطريقة بعد ساعتين، وفوق مجهودها البدني المرهق، تتأخر أحيانا عن مواعيدها. ناهيك عمن يداومن خارج مدنهن بأكثر من مئتي كيلومتر يوميا . لجأ البعض قسرا إلى السائق الأجنبي ، والبعض إلى السائق بالمواعيد، والبعض إلى ( النقليات ) ، والبعض إلى تعليم القيادة لابنه الصغير للقيام بشؤون الأسرة الضرورية . وترزح كثير من الأسر تحت وطأة تسويفات الذكور وأمزجتهم في قضاء مشاوير النساء الضرورية . القضية في نظري نفسية أكثر منها دينية ، وعقد مرضية انسحبت على الكثير من الأدمغة بعد زمن الصحوة الذي أذكى جذوة الظن في الأدمغة ، حتى بات الإنسان يظن السوء في كل شيء، وأطفأ نور العقل خلف افتراضات ظنية بائسة . يرى الشباب منحلين، والنساء يتلهفن للخيانة، والمجتمع يغص في الرذيلة . ربما لا يعلمون أن الكثير من شبابنا ونسائنا يملكون من التقى واحترام الذات أضعاف أضعاف ما يظنون ، وما يزعمون أنهم يملكونه حتى . لماذا نخوّن المرأة ؟ ونعتبرها كائنا منحرفا دائما؟ يتربص بنا الدوائر لإهراق ماء الشرف ؟! وهل يظن عاقل أنه يستطيع السيطرة على خيانة المنحرف ؟ أو الحد منها حتى ؟ وكيف نسمح للمرأة بمرافقة سائق أجنبي ، سواء بالاستقدام أو بالاتفاق الداخلي ، ونستأمنه عليها ، ولا نستأمنها هي على نفسها ؟ كلما فتح هذا الموضوع في مجلس من المجالس ، كان السؤال الجاهز على شفاه المتزمتين : ( افرض بنشرت السيارة ) ؟! يا أخي، لتبنشر ولتتعطل ولتحترق حتى، فليس كل الشعب منحرف، ولسنا في غابة، ولن يتعدى على من تحترم نفسها أحد . دعوا المرأة تقود، ولا تعطوا الطائشين الحق في التعدي عليها، وغلظوا قوانين التحرش، وكفوا أذى الواسطات والشفاعات للمتحرشين، وخذوا بيد المرأة إلى الثقة بنفسها، بدلا من تخوينها وتحطيمها ، ولنحيي في أجيالنا قيمة أعراض الناس، وعظم التعدي على حريات البشر. هاهي المرأة تقود في بعض مناطق المملكة، ولم يجرؤ أحد على التعرض لها، وهاهي في دول الخليج المجاورة لنا ولطبيعتنا، ولم تخطفها الطير وتهوي بها إلى سوء ظنونكم ، وهاهي تقود في جميع الدول الإسلامية ، فهل كل علماء الإسلام على باطل ؟. معلمة وطبيبة وأستاذة جامعة وموظفة وأم توصل أبناءها إلى المدرسة أو إلى المستشفى أو لشراء احتياجات المنزل، أتستحق كل هذا الظن السيء؟ ونحرمها حقها في مزاولة حياتها بحرية وأمان بعيدا عن سهام الظن المسمومة ؟ من أجل فرضيات وتخرصات؟ ، نعم لسنا ملائكة وستحدث الحوادث، وسيكون هناك انحرافات، وهي موجودة بالفعل قبل قيادة المرأة للسيارة، لكن ما ذنب الغالبية المحترمة من تعميمية الظن السيء، وانحرافات الآخرين ؟ أرجو من مقام خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ومن علمائنا الأجلاء في هيئة كبار العلماء، إعطاء المرأة السعودية هذا الحق بعد سن التشريعات المهيئة له ، ومن لا يريد أن تقود امرأته فله حريته الشخصية في منعها، لربما تساعده ظروفه على الاستغناء عن قيادتها للسيارة، لكن ليس من حقه أن يعترض على حقوق الآخرين باسم الدين، والدين بريء من ظنون الموسوسين . إطراقة : " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ{1} مَلِكِ النَّاسِ{2} إِلَهِ النَّاسِ{3} مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ{4} الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ{5} مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ{6}" أحمد الهلالي