ربما تكون الهواتف المحمولة أكثر الأجهزة الإلكترونية التصاقاً بكثير منا في عالم اليوم، إذ يحرص الملايين على إبقائها بالقرب منهم معظم أوقات اليوم. ومع بقاء الهاتف صامتاً ساعات طويلة، إلا أنه يعرف عن مستخدمه الكثير، مثل ميعاد الاستيقاظ والنوم، والأماكن التي يتردد عليها، والموضوعات التي يبحث عنها على الإنترنت، فضلاً عن التطبيقات المختلفة التي يستخدمها للتسلية أو لأغراض أخرى. وأثار كل ما سبق شهية المعلنين والشركات التقنية لمعرفة هذه المعلومات، ومن ثم الاقتراب من نمط حياة واهتمامات المستخدمين، التي تتغير على الدوام، وتوجيه إعلانات أكثر مناسبة لهم، ما يُعزز من تأثير الإعلانات عبر الأجهزة المحمولة، وبالتالي يزيد من الأرباح.بحسب الامارات اليوم. وفي المقابل، يتخوف المهتمون بالدفاع عن قضية الخصوصية من عدم إدراك المستخدمين أنفسهم لما يجري كل يوم، وعدم استيعابهم لما تستطيع الهواتف الذكية أن تعرفه عنهم، وكيف أن هذه المعلومات الشخصية الثمينة مُعرضة للانتهاك ببساطة مع قيامهم بفعل عادي، مثل تحميلهم لتطبيق أو البحث في الإنترنت عبر الهاتف، وتشير هذه المخاوف إلى الحاجة الماسة لقوانين تنظم عملية جمع معلومات المستخدمين ومشاركتها مع أطراف أخرى. وتأتي هذه التخوفات على خلفية مناقشات وجدالات عامة لا تتوقف حول قضية الخصوصية وحقوق المستخدمين مقابل الرقابة الحكومية، وتجاوزات شركات الإنترنت، خصوصاً في الولاياتالمتحدة والدول الغربية، وإن كانت بعض أصدائها وصل إلى أجزاء أخرى من العالم. وبحسب تقرير نشرته صحيفة «ذا نيويورك تايمز» الأميركية، قال الباحث جنيفر كينغ، الذي درس الخصوصية في جامعة «كاليفورنيا بيركلي» الأميركية، وقدم استشارات للجنة التجارة الفيدرالية حول تتبع الهواتف المحمولة: «لا يتفهم الناس التتبع سواء كان عبر متصفح الإنترنت أو عبر جهازٍ محمول، وليست لديهم فكرة واضحة حول الممارسات القائمة»، وأضاف أنه «حتى بالنسبة لمتخصص في التقنية، فإنه غالباً ما يكون من الصعب فهم كل ما يحدث». ويتخذ تتبع المستخدمين عبر الأجهزة المحمولة مثل الهواتف وأجهزة الكمبيوتر اللوحية أساليب جديدة تُراعي أن كثيراً من الأشخاص يستخدمون في اليوم الواحد الهاتف والكمبيوتر اللوحي وكمبيوتر العمل، ويعمل في هذا المجال شركات متعددة تحاول استثمار المعلومات التي تجمعها هذه الأجهزة عن المستخدمين، ومنها «دروبريدج»، و«فلوري»، و«فيلتي»، و«سيشن إم». وتعتمد مثل هذه الشركات أساساً على متابعة استخدام التطبيقات، والأماكن التي يزورها المستخدمون، ما يجعل من الصعب الابتعاد تماماً عن متابعة المعلنين سواءً كانوا من شركات التأمين أو منتجي الأحذية. وتعتمد شركة «دروبريدج» الناشئة مثلاً، على تحديد ما إذا كانت أجهزة مثل الكمبيوتر المحمول واللوحي والهاتف الذكي تعود لمستخدم واحد، من دون وجود أي نوع من الاتصال في ما بينها، وتتعاون الشركة مع عدد من ناشري الإعلانات على الإنترنت التي يرسلون لها تنبيهاً في كل مرة يزور فيها مستخدم موقعاً للإنترنت أو يستخدم أحد التطبيقات. وتحلل «دروبريدج» هذه التنبيهات للتوصل لأنماط سلوك المستخدمين، ثم تدرس احتمالات أن يكون لعدد من الأجهزة مالك واحد، وبعدها تمنح هذا المستخدم معرفاً مجهولاً. وقالت مؤسسة «دروبريدج» ورئيستها التنفيذية، كاماكشي سيفاراماكريشنان، التي عملت سابقاً في «آد موب»، وهي شبكة إعلانات المحمول التابعة لشركة «غوغل»، إن «التحديد دقيق للغاية ولا يتعلق بالمستخدمين بل بالأجهزة»، مشيرة إلى أهميته لفهم ماهية المستخدم. بدوره، رفض رئيس مكتب العمليات في «دروبريدج»، إريك روزنبلوم، وصف عمل الشركة ب «التتبع»، قائلاً: «نلاحظ سلوكيات المستخدمين، ونربط بين الملف الشخصي والأجهزة المحمولة». وتقول الشركة إن هذه الطريقة نجحت في ربط 1.5 مليار جهاز بمستخدميهم، ما يسمح بتوجيه إعلانات إلى هاتف المستخدم تتلاءم مع المواقع التي يزورها عبر الكمبيوتر المكتبي؛ فإذا ما بحث على الإنترنت عبر الكمبيوتر المكتبي في العمل عن عبارة «عطلة في هاواي»، فإنه يمكن أن يشاهد إعلاناً عن السفر إلى هاواي عبر هاتفه الشخصي. وبطريقة مماثلة لعملها، يمكن لشركات مثل «غوغل» و«فيس بوك» و«أمازون» أن تتبع ما يبحث عنه المستخدم، وما يرسله، ويشتريه عند تسجيله الدخول لحسابه في خدماتها من أجهزة مختلفة. وإلى جانب أسلوب كهذا، تعتمد شركات أخرى مثل «فلوري» في التعرف على المستخدمين على التطبيقات، فتدمج برامجها في 350 ألف تطبيق تعمل على 1.2 مليار جهاز، وتعمل هذه البرامج بصورة آلية على الهاتف في اللحظة التي يُحمّل فيها المستخدم هذه التطبيقات، كما كشفت الشركة عن سوق إعلانية في الوقت الحقيقي، ترسل للمعلنين ملفات تعريف مجهولة تخبرهم فورياً في اللحظة التي يفتح فيها المستخدم أحد التطبيقات عبر الهاتف أو الكمبيوتر اللوحي. وتتضمن هذه الملفات تفاصيل عن المستخدم على غرار أنه شخص ثري يهوى مطالعة الكتب ولديه شركة صغيرة، أو أن المستخدم امرأة لديها طفل حديث الولادة، وتسافر لغرض العمل أو تهوى العناية بالحدائق، وبحسب ما قال كبير مديري «فلوري»، راؤول بافنا، فلدى الشركة معلومات أكثر تحديداً عن المستخدمين، لكنها لا تستخدمها بسبب مخاوف انتهاك الخصوصية. وتختلف هذه الأساليب في عن الطريقة التقليدية، التي تعتمد على ما يُعرف بملفات تعريف الارتباط أو «كوكيز»، وهي ملفات نصية تنشئها مواقع الإنترنت التي يزورها المستخدم. ويركز المعلنون على استهداف المستخدمين عبر الأجهزة المحمولة، وهو ما يزيد من أهمية الشركات التي تقدم أدوات التتبع والربط بين نشاط المستخدمين عبر الأجهزة المختلفة. وبحسب ما ذكر المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «تريدموب»، رافي كامران، التي توفر خدمات التتبع والتسويق ضمن التطبيقات، فإنه ومن دون نظام متطور لتعقب نشاط المستخدمين، يصبح «نشر الإعلانات عبر المحمول مثل إلقاء النقود من النافذة، إنه أسوأ من شراء إعلانات التلفزيون». رابط الخبر بصحيفة الوئام: الهواتف الذكية تنقل أسرار المستخدمين للمعلنين