المتتبع لما يدور حوله يكتشف وبسهولة ، يدرك أن النمط السلبي التشاؤمي السوادي ، أصبح هو النمط الأساسي لتفكير غالبية الناس.واستمع إلى موضوع من حديث أي مجلس نسائي أم رجالي ، وستجد أن روح هذه الموضوعات – على اختلافها – هو التذمر والنقد والتسخط والتشكي أو اغتياب الآخرين. أو انظر إلى طريقة تعاملنا مع أطفالنا وأبنائنا ، ستجدها في مجملها لا تقوم على إلا الذم والزجر والنقد السلبي ، والكلام المحطم المحبط. ثم تأمل إلى حديثك داخل نفسك ، ستجده في مجمله ليس إلا هواجس من قلق ومخاوف ، وغضب مكبوت ، وتقليل من قدر ذاتك.لقد أصبحت ثقافة السواد هي نمطنا المعتاد في تفكيرنا وأحاديثنا. ولا شك أن لها عدة مصادر أهمها ، وسائل الإعلام التي قامت وتقوم بدور البطولة في ذلك ، إذ تنفث علينا صباح مساء أخبارها المفجعة ، من قتل البشر وانتشار الأمراض ومشكلات كل أنحاء المعمورة. وفي المقابل لا تعبأ ، بل تخفي الجيد من الأخبار ، ، كأحدث المخترعات والأبحاث العلمية ، التي تحسن حياة البشرية ، والتشافي من الأمراض ، وقصص النجاح الشخصي ، والثراء وسائر الإنجازات. كل هذا ليس له مكان في وسائل الإعلام وثقافته ، التي غدا السواد ومشتقاته أبجدية راسخة من أبجديات العمل المهني لديها. ونحن بدورنا أسلمنا عقولنا ووجداننا لها ، لتشكله كما شاءت ولترسم صورة كوكب الأرض من وجهة نظرها. أضف إلى ذلك أننا توارثنا أسلوبا خاطئا في التربية ، يجعل من الذم والزجر والنقد السلبي ، قاعدة رئيسية ، في حين لا يحفل بكلمات الثناء والتحفيز ، وتعزيز الثقة بالنفس في نفوس أبنائنا. ولم يكن لنا من فضل في هذه التربية ، سوى أننا ورّثنا اسلوبا خاطئا في التربية لأبنائنا وصنعنا منهم جيلا محطما ، سيقوم بدوره بتربية جيل محطم آخر ، بحسب نوعية التربية التي تلقاها ، والتي يعتقد – كما اعتقدنا نحن – أن الأصل فيها الذم والنقد والنهي وجميع قواميس الغضب والصراخ. إن للحياة عدة جوانب وعدة أوجه ، فلم لا ننظر لها من الجانب الذي يخدمنا ويثري حياتنا. ونترك جانبها المظلم لمن شاء أن يعيش فيه ويتحمل نتائجه ؟ إن اعتقادنا أن حياتنا سيئة , وأن تفكيرنا ومشاعرنا ما هو إلا انعكاس لها ، معتقد خاطيء ، حيث أن المعادلة الصائبة : أن تفكيرنا سيء لذا فحياتنا أصبحت سيئة . لقد أُلفت عشرات الكتب بل المئات ، عن قوة التفكير الإيجابي وأثره على حياة الإنسان ، وصل بعضها إلى درجة المعجزة في الشفاء من أمراض مستعصية كالسرطان ، جميعها مثبتة بالأدلة والبراهين العلمية. هذا العقل معجزة ربانية ، وقمة إعجازه أن نستعمله لصالحنا.إن طريقة التفكير ليست قدرا محتما بل عادة مكتسبة ، وكل عادة في حياة الإنسان بإمكانه تغييرها . وكل حياة يمكن تحسينها ، وكل مشكلة ولها عشرات الحلول . ولنكن على يقين أن السعادة لا تمنحنا نفسها بطواعية ، بل نحن الذين نصنعها لأنفسنا.وتلك عقلية القائد الشجاع المسيطر على حياته ، لا عقلية الضحية المستسلم. وتعميق الإيمان القلبي ، الذي يظهر أثره على فكرنا وأرواحنا ، لا الاكتفاء بالعبادات الظاهرة فقط ، له دوره البالغ في أعادة توازن أنفسنا المفقود. إن نقطة البدء هي اتخاذ الإيجابية منهجا حياة ومبدأ فكر .ومفتاح نقطة البدء سهل جدا ، حيث يبدأ بتغيير قاموس مفرداتتا السلبي بآخر خيّرٍ وإيجابي وطيب. ومن أفضل الكشوف العلمية الإنسانية ، تلك التي أثبتت أن التفكير تشكله الكلمات المنطوقة وغير المنطوقة ، التي نخاطب بها أنفسنا وغيرنا طوال الوقت. ووُجد أن للكلمة قوة هائلة وطاقة جبارة ، سلبا أو إيجابا ، على حياة الإنسان ومن حوله.وأن المشاعر كلمات ، والأفكار كلمات ، فإذا اخترنا الجيد من الكلمات جاءت أفكارنا ومشاعرنا تبعا لها ، وتبعها سلوكنا ومعه حياتنا برمتها إلى الأفضل. إن هذه التربية كما نستعملها مع ذواتنا ، وجب أن نستخدمها مع ألآخرين من حولنا ، ومع أبنائنا خاصة ، حتى نفجر طاقة الحياة داخلهم ، ونبعدهم عن غياهب الفشل والخذلان. كم نحن بحاجة إلى إشاعة كلمات التحفيز والثناء والشكر بيننا ! وكم نحن بحاجة إلى طرق موضوعات خيرة وقصص سعيدة في مجالسنا ! وكم نحن بحاجة إلى أن نغذي عقولنا بغذاء المعرفة الممتعة والتثقيف المتنوع ! وإلى رفد حياتنا بالمهارات الجديدة والهوايات الماتعة ، كل ذلك حتى تتلاشي تلك الثقوب السوداء التي تلتهم سعادتنا . باختصار نحن بحاجة إلى ثورة خضراء نعيد بها تشكيل تفكيرنا. رحمة العتيبي رابط الخبر بصحيفة الوئام: الثورة الخضراء