هناك ضعف في الثقافة القانونية لدى المقاولين ووزارة المالية، وعدم الإلمام الكامل بنصوص نظام المنافسات والمشتريات الحكومية، مما أدّى إلى ظهور مشكلات عقود المشاريع والمشتريات، ومن ثم تأخرها وتعثّرها…، ونجد أن المقاولين والجهات الحكومية يلقون باللوم على نظام المنافسات تارة، وعلى وزارة المالية تارة أخرى، متناسين أي دور لهم في التعثّر والتأخر. ما أكده الكاتب سطام عبد العزيز في مقاله بالوطن أن هناك تجاهلا واضحا وعدم اعتراف من قبل بعض الفقهاء بالمخاطر الرقابية المصاحبة لنظام المنافسات، فهم يرون ممارسات التحايل أنها ميزة للنظام، وبما أن المنظم لم يمنع هذه الممارسات فإنها تعتبر قانونية. لمطالعة المقال: الثغرات الرقابية في المشتريات الحكومية يقول فقهاء القانون في المملكة، وكذلك بعض المسؤولين في وزارة المالية “إن هناك عاملاً مشتركاً بين المقاولين وجهات الشراء في الإدارات الحكومية، يتمثل في ضعف الثقافة القانونية لدى الطرفين، وعدم الإلمام الكامل بنصوص نظام المنافسات والمشتريات الحكومية، مما أدّى إلى ظهور مشكلات عقود المشاريع والمشتريات، ومن ثم تأخرها وتعثّرها…، ونجد أن المقاولين والجهات الحكومية يلقون باللوم على نظام المنافسات تارة، وعلى وزارة المالية تارة أخرى، متناسين أي دور لهم في التعثّر والتأخر”. والقول السابق في نظري قد يتنافى مع الواقع، وذلك لسبب بسيط وهو أن الجهات الحكومية والشركات والمؤسسات لديها المستشارون القانونيون الذين يفهمون ويدركون جيداً الضوابط والقواعد القانونية لنظام المنافسات، والمشكلة إذن ليست في ضحالة الثقافة القانونية، وإنما في التحايل على النظام والقانون من خلال استغلال الثغرات الرقابية! وللأسف الشديد هناك تجاهل واضح وعدم اعتراف من قبل بعض الفقهاء بالمخاطر الرقابية المصاحبة لنظام المنافسات، فهم يرون ممارسات التحايل أنها ميزة للنظام، وبما أن المنظم لم يمنع هذه الممارسات فإنها تعتبر قانونية. فيما يلي أستعرض بعض الأمثلة لنصوص مواد نظام المنافسات، بهدف توضيح كيفية التحايل عليها في ظل صمت بعض فقهاء القانون، والذين يستندون على مبدأ (لا يوجد مانع نظامي). ولنأخذ على سبيل المثال نص المادة (14) والمادة (16) من النظام، والمتضمنة تشكيل لجنتين مستقلتين، إحداهما لفتح المظاريف والأخرى لفحص العروض، فقد اشترط النظام في المادة (17) على أنه:” لا يجوز الجمع بين رئاسة لجنة فتح المظاريف، ورئاسة لجنة فحص العروض أو العضوية فيهما”، ونفهم من هذه المادة وجود مبدأ رقابي مهم وهو الفصل بين الوظائف المتعارضة وتجنب تعارض المصالح، ولكن ما يحدث على أرض الواقع في بعض الجهات الحكومية، هو أن يرأس لجنة فحص العروض أحد المسؤولين في الإدارة التنفيذية للمشتريات، ويكون رئيس لجنة فتح المظاريف أحد الموظفين المرتبط تنظيمياً برئيس لجنة فحص العروض، وعليه فإن رئيس لجنة فحص العروض يرأس أيضاً لجنة فتح المظاريف بشكل غير مباشر، ناهيك عن أن باقي أعضاء اللجنتين هم في الغالب موظفو الإدارة التنفيذية للمشتريات، وبالتالي يمارسون الإشراف والتنفيذ في نفس الوقت، وهذا ما يتعارض مع أهداف نصوص مواد نظام المنافسات، ونتيجةً لذلك تنشأ مخاطر إمكانية الانحياز في اختيار الشركة أو المؤسسة التي تتم الترسية عليها، كما أنه في حال وجود تلاعب أو مخالفات في الأعمال التنفيذية للمنافسات فهناك إمكانية لإخفائها وعدم كشفها لتجنب المساءلة والمحاسبة. وبالرغم من خطورة الممارسات السابقة والتحايل على مواد النظام، فإن بعض فقهاء القانون يرون أنها لا تعد مخالفات قانونية، لأن النظام لا يمنعها صراحةً وقد سكت عنها، كما يرون أيضاً أن دور لجنة فتح المظاريف هو دور إعدادي وتهتم بالجانب الشكلي دون الموضوعي، فهي تباشر وظيفتها بفتح العروض وتدقيقها من الناحية الإجرائية لبيان مدى استيفائها الجوانب الشكلية. وأما لجنة فحص العروض فهي تقوم بدراسة العطاءات من الناحية الموضوعية، وهذه النظرية برغم صحتها إلى حد ما، فإني أتساءل: لماذا أشترط المنظم عدم الجمع بين رئاسة اللجنتين أو العضوية فيهما؟ ثم لماذا يتم تشكيل لجنتين مستقلتين في ظل قدرة إدارة المشتريات القيام بفتح المظاريف وفحص العروض من خلال موظفيها؟ أليس معنى ذلك أن الدور الأساسي لهذه اللجان هو إشرافي ورقابي في الأساس؟ ولو ركزنا على مهام اللجنتين في النظام لوجدناها مهام رقابية وإشرافية، وبالتالي لا يصح الجمع بين الإشراف والتنفيذ، وتشكيل اللجان في ظل الممارسات التي رأيناها آنفاً لا يحقق الفصل المطلوب بين الوظائف. ومهام اللجنتين سوف تكون شكلية بل وتساعد على التلاعب والغش والفساد، ومن ذلك على سبيل المثال إجراء التعديلات على الأسعار بعد فتح المظاريف، أو سحب وثائق مهمة مثل الضمان لاستبعاد أحد المتنافسين بشكل متعمد، أو تقديم تخفيض للعطاء وإدراجه ضمن الخطاب الأصلي للتقديم، وبالتالي لا يعرف هل تمت مخالفة النظام أم لا، وذلك حتى تتم الترسية على مقاول معين. ومن الأمثلة الأخرى التي يمكن طرحها في هذا المجال، أسلوب التحليل المالي للعروض المقدمة من المقاولين المتنافسين، والذي أكدت عليه نصوص مواد نظام المنافسات بهدف التثبت من عدالة الأسعار وعدم وجود مبالغة في بنود العقود تفوق الأسعار السائدة في السوق. والحاصل في بعض الجهات الحكومية القيام بالتحليل الإجمالي للعطاءات وإهمال تفاصيل الأسعار للبنود، مما يؤدي إلى وجود عروض غير متوازنة يعمد إليها بعض المقاولين للحصول على تمويل ذاتي للمشروع بزيادة أسعار الأعمال التي تنفذ في بداية المشروع وخفضها للأعمال التي تنفذ أو تورد في نهاية المشروع. ومع أن المقصود بإجراء التحليل المالي هو التحليل التفصيلي للأسعار، إلا أن بعض الجهات تعمد إلى التحليل الإجمالي بالرغم من نتائجه المضللة، ومع ذلك لا تعتبر هذه الممارسة مخالفة نظامية! مما سبق، يمكن القول إن نظام المنافسات والمشتريات الحكومية، هو في مجمله عبارة عن إجراءات رقابة داخلية صيغت في قواعد قانونية ملزمة، ومع ذلك تم إهمال هذا الدور الرقابي لنصوص النظام، وظهرت ممارسات مخالفة لهذا الدور تحت غطاء قانوني للأسف الشديد، فإذا كنا قد تحدثنا عن أسباب تعثر المشاريع وتأثيراتها السلبية على التنمية، وركزّنا على عوامل كثيرة لهذا التعثّر، فإننا في الجانب الآخر قد أهملنا كيفية تطبيق نظام المنافسات، وممارسات التحايل عليه ونحن بحاجة إلى إعادة النظر في عملية الرقابة المسبقة والتي هي من اختصاص وزارة المالية، وكذلك إلى لفت نظر فقهاء القانون إلى المخاطر الرقابية للحد منها وتحديد الغاية من النصوص النظامية وتطبيقها بالشكل المطلوب.