ذهلتُ فكاد شعر رأسي أن يشيب كلّه في لحظة واحدة من شدة ذلك الذهول، الذي حدث وأنا أشاهد -قبل فترة- مقطع “سورة التفاح” الذي قام فيه الواعظ محمد العريفي بتلاوة آيات تلك السورة الجديدة التي ألّفها من رأسه، ثم رتّلها بطريقة تطابق تماماً طريقة القرّاء في ترتيل آيات الذكر الحكيم، زعماً منه أن هذه هي الطريقة المثلى للتأكد من قوة تأثير آيات الله على عباده، حيث يرى سماحته أننا إذا رتلنا سورة التفاح على مسامع شخص ما، ثم رتلنا بعدها أو قبلها آيات من سورة قرآنية على نفس الشخص، سيظهر لنا تأثير القرآن والفرق بين كلام الله وكلام البشر، ولا أدري في الحقيقة ما هو موقف المجتمع منّي، لو قمتُ -مثلاً- بتأليف سورة مماثلة، وأسميتها سورة الجوافة أو سورة الكيوي أو سورة الجريب فروت، ثم رتّلتها في مقطع مصوَّر؟! لاشك أني سأقتل فوراً دون نقاش؛ لأني تلاعبتُ بالقرآن. وذهلتُ مرة أخرى ذهولاً لا يمكن وصفه أبداً، وأنا أقرأ كلامه الذي قال فيه أن النبي الكريم محمد عليه السلام له علاقة وطيدة بالخمر، حيث كان يبيعها أو يهديها للناس على حدِّ زعم هذا الواعظ البهلواني، ومصدر ذهولي هو علمي أن السنة النبوية تفيض بما لا يمكن حصره من النصوص، التي تحذر من الخمر وتغلّظ في تحريمها، وتنتقص صانعها وبائعها وشاربها، وتطالب بتطبيق أشدِّ العقوبات عليهم حدّاً وتعزيراً، فكيف يبيعها أو يهديها رسول الإسلام؟، والقرآن الكريم يقول في سورة المائدة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
ثم ذهلتُ ذهولاً ثالثاً فاق سابقيه وكاد عقلي أن يطير منه، وأنا أشاهد مقطع “اليوتيوب” الذي تحدّث فيه هذا الداعية -المثير للعجب- عن نزول الملائكة للقتال مع إخواننا في سوريا، ضدّ جيش بشار الأسد، وهو المقطع الكاذب الذي لا يحتاج إلى توضيحٍ مني، فقد سخر منه رجال الدين في بلادنا قبل غيرهم، ومنهم شيخ العريفي صالح الفوزان الذي وصف العريفي بأنه صاحب هوى، وقال متهكماً من قصة نزول الملائكة باللهجة العامية” يمكن شياطين جو وقالوا ذولا ملائكة”، مضيفاً: “لا شك أن أهل سوريا مظلومون لكن الملائكة ما ينزلون إلا مع الرسل وقد ينزلون مع المؤمنين الصادقين لكن ما حد يراهم”. ومنهم القارئ الجميل المتّزن عادل الكلباني الذي قال: “ملائكة يقاتلون على خيول بيض في سوريا، هل الشبيحة وجيش بشار قوي لدرجة أن الملائكة لم تقدر عليهم! يا بني آدم شغلوا مخكم شوي بس”. وأضاف الشيخ عادل متسائلاً: “وش معنى الملائكة ما نزلت إلا مع السوريين؟ ليش ما نزلت مع الليبيين وإلا كان الناتو يكفي”. وعن احتجاج بعض متابعيه بنزول الملائكة يوم بدر قال الكلباني في تويتر: “الأحبة المعترضين يحتجون بنزول الملائكة يوم بدر ويحتجون بقدرة الله وهل أنكرنا ذلك؟ لكن ثمة سؤال هل يعرفون نزولاً للملائكة غير ذلك؟”، مضيفاً: “الملائكة تنزل للحسم بجنود لم تروها (هؤلاء رأوها وصوروها) تعليق الناس بالكرامات وأمور أخرى لا تكفي التغريدة لها”. وتابع الكلباني: “يقول الله: (ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين) تأويله أن الملائكة لا تنزل إلا بالرسالات أو بالعذاب”. انتهى كلام الشيخين. وأقسم لكم إني لم أكن أنوي الكتابة عن تلك الكوارث العظمى والطوام الكبرى، التي تصدر عن هذا الواعظ المتحذلق؛ ليقيني أن الناس في مجتمعنا أصبحوا -بفضل الانفتاح الإعلامي- على درجة عالية من الوعي، الذي يمنع عقولهم عن تصديق مثل هذه الخزعبلات، فلم تعد تنطلي على الأسوياء منهم مثل هذه الأباطيل والخرافات والاختراعات التي يصنعها هؤلاء الوعاظ بحثاً عن الأضواء والشهرة، التي يحققون من خلالها أهدافهم الشخصية التي لا تنتهي. لم أكن أنوي الكتابة في هذا الموضوع، لولا أن وسائل الإعلام طالعتنا بالكارثة الجديدة، التي لا يمكن أن تمرّ مرور الكرام أبداً، حيث فاقت كلَّ سابقاتها، فقد نشرت صحيفة “الوئام” وغيرها من وسائل الإعلام بالأمس خبراً وصف فيه الواعظ محمد العريفي الإرهابيين بالمؤمنين ودعا للصلح معهم، حيث قال عبر حسابه في “تويتر” اليمن هي دار الإيمان ولا يرضى مؤمن بما يقع فيها من قتال بين الجيش والقاعدة، ودعا للمصالحة بين الطرفين مستدلاً بالآية الكريمة: { وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما{ لقد بلغ السيل الزبى يا قوم، ونتج عن السكوت التمادي، وهاهو هذا الداعية الشهير يقف مع من أعلن العداء للدولة والمجتمع، وقتل بسكينه القذرة مئات الأبرياء من رجال أمننا البواسل رحمهم الله. إن وصفَ العناصر المسلحة من تنظيم القاعدة بالمؤمنين أمرٌ خطير لا يمكن قبوله بتاتاً، وكذلك الدعوة إلى المصالحة معهم. إن الاستشهاد بهذه الآية الكريمة في هذا السياق تعاطفٌ مرفوض، ينبغي على جميع المهتمين بمحاربة الإرهاب وتجفيف منابعه الالتفات له، وعلى رأسهم حكومتنا الرشيدة، التي بذلت الغالي والنفيس من أموالها وجهودها ودماء أبنائها للتصدي للقاعدة وأعمالها التخريبية في هذا الوطن. أفيقوا أفيقوا أيها الناس من سباتكم، وانتبهوا جيداً لهؤلاء الوعاظ وما يصدر عنهم، واعلموا أن التعاطف مع القاعدة في اليمن أو غيرها من الدول تعاطف مع القاعدة الإرهابية في كلِّ مكان، فالجميع يعلم أن مخططاتها واحدة مترابطة، وأن أهداف جميع عناصرها مشتركة واضحة لكل عاقل، في كلِّ بقاع الأرض. اربطوا بين هذه الأمور بهدوء: 1- رجل له شعبية واسعة بين العامة الدهماء والرعاع. 2- يتعاطف مع الإرهابيين ويصفهم بالمؤمنين علناً ويستشهد لذلك بالقرآن. 3- يدعو إلى المصالحة مع عناصر تنظيم القاعدة. ما هي النتيجة المتوقعة؟ أترك الإجابة لعقلاء قومي. إن هذه الأمثلة الموجزة التي ذكرتها ليست إلا غيضاً من فيض تجاوزات هذا الواعظ المندفع الخطر المتحمّس دون ضوابط.. ليست إلا قطرة في بحرٍ خضمٍ غزيرٍ زاخرٍ بعجائبه وطلاسمه وكوارثه وغرائبه، التي لو أردتُ الاسترسال في بيانها وعدّها وحصرها وسردها لانفجر “السيرفر” الخاص بهذه الصحيفة قبل أن أنتهي من ذلك. وائل القاسم http://waelalqasm.blogspot.com