محمولين بين السماء والأرض في غابة استوائية تايلاندية يتجاوز عمرها 1500 عام، كانت أصوات الصراخ والإثارة تملأ المكان. لم يكن هدف الزيارة التعرف على أنواع الأشجار أو مشاهدة الحيوانات، وهي تعيش في بيئتها الطبيعية كما هو الحال مع رحلات السفاري التقليدية، بل كان الهدف الأساسي هو تقليد خطى قرد الجيبون النادر أثناء تنقله بين أعالي الأشجار، فيما يعرف ب"رحلة قرد الجيبون"، وهو ذات المسمى الذي يطلق على الغابة، التي تعتبر محمية طبيعية في الوقت ذاته. ولكن كيف يكون التنقل بين أعالي الأشجار، التي تصل ارتفاعاتها بين 30-40 مترا، بالنسبة لبني البشر في تلك الغابة؟ الجواب يكمن في مغامرة "الانزلاق عبر الكيبل" (Cable Gliding)، إذ إن قمم أشجار الغابة ترتبط بعضها بالبعض الآخر بشبكة من الكيابل المعدنية عالية التحمل، وكل ما عليك هو أن تنزلق باستخدام تلك الكيابل. "الوطن" كانت حاضرة لخوض التجربة، ونقل تفاصيلها المثيرة، والتي تبدأ بتوقيع إقرار بخلو المغامر من أي أمراض وأن إدارة الغابة لا تتحمل مسؤوليات أي مخاطر تنتج عن خوض التجربة، ولكن مع التأكيد دوما أنه لم تحدث هناك أي حادثة سقوط من قبل. وبعد ذلك، تتعرف مجموعة المغامرين (5-6 أشخاص) على المدربين المرافقين، ويعطى كل مغامر ربطة رأس (بندانة) تركب فوقها خوذة الحماية، ليتم بعدها ربط منطقة الصدر والبطن بحزام شديد الوثاق تتدلى منه بضع حلقات، ثم تبدأ رحلة الصعود إلى أعالي الغابة عبر ممر مدرج لمدة 15 دقيقة يصل المغامرون خلالها إلى أعلى مكان في الغابة، كما يمكن مشاهدة قرد الجيبون في محميته الطبيعية يتناول الطعام ويتنقل بين الأشجار. وعند الوصول إلى أول منصة مثبتة على إحدى الأشجار، يطل المغامرون على وديان عميقة تبعث رؤيتها الخوف من إمكانية السقوط، ولكن المرافقين يواظبون على طمأنة المغامرين، فيما تسمع أصوات الصراخ والإثارة في أرجاء المكان. كما يمكن مشاهدة الكيابل المعدنية، التي تربط قمم الأشجار، والتي تختلف أطوالها بين شجرة وأخرى، فمنها ماهو طوله 100 متر، فيما يمتد بعضها إلى 400 متر، وهو الطول الأقصى، الذي يمكن أن تتحمله الكيابل. وبعد ذلك، يصطف المغامرون، وتبدأ عملية ربط حلقات الحزام بالكيبل ليباشروا مغامرة الانزلاق عبر الكيبل بتلقي دفعة من الظهر، فيجد المرء نفسه متدليا في الهواء، مطلقا صراخا يعبر عن الإثارة بشعور لم يختبره الكثيرون، إذ تبعد الأرض نحو 30-40 مترا ولا شيء فوقك إلا السماء. شعور عبرت عنه مغامرة روسية بقولها:" لا شيء يضاهي متعة التعلق بين السماء والأرض وإطلاق صرخات الإثارة. إنها مخاطرة حقيقية، وتحتاج جرأة في المغامرة. خفت عند أول كيبل، وكاد قلبي أن يتوقف، وأردت الانسحاب، لكن رفاقي شجعوني". أبرز ما في المغامرة أن حاجز الخوف ينكسر بعد الانزلاق على أول كيبل لتتواصل بعدها مسيرة "الانزلاقات" والمشي على الجسور الخشبية بين الأشجار القريبة من بعضها. وتنتهي الرحلة في مكان الانطلاق ذاته لأن الرحلة تأخذ شكل دائرة كاملة. المدرب المرافق "بيتو" قال ل"الوطن" إن مستويات الأمان مرتفعة، وصيانة الكيابل تجري بشكل دوري مع مراعاة وزن المغامر وحالته، فإذا كان الشخص بدينا، أو يعاني مشكلات صحية مزمنة، فإنه يحرم من خوض التجربة لأن الحد الأعلى لوزن الشخص المسموح له بخوض المغامرة يجب ألا يتجاوز 130 كيلو جراما. وأضاف أن الغابة هي محمية طبيعية تحتضن قرود الجيبون، فيما يخصص جزء من الدخل لتكاليف العناية بتلك القرود، الأمر الذي يجمع بين الاستثمار التجاري وحماية الأنواع النادرة من الانقراض، مختتما:"هكذا نستثمر الطبيعة في أرض الحرية، وهو معنى كلمة "تايلاند".