أحمد الحديدي إعلامي مصري مقيم في دبي ما دفعني لكتابة هذا المقال هو الحالة التي شاهدتها على أحد أعز أصدقائي في زيارتي الأخيرة لمصر.. صديقي هو أحد المقاتلين الذين قبلوا العمل في حكومة الدكتور شرف التي تولت مقاليد الحكم في مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير.. وبعد أن استقالت الوزارة تحول إلى أشلاء إنسان، بسبب فشله في مواجهة طيور الظلام التي ما زالت ُتعشعش في أرجاء الوطن. إن ما يحدث الآن في مصر دليل كبير على أن الثورة حادت عن طريقها الصحيح وأصبحت تسير بلا هدف وتتخبط بين الأهواء والأطماع المختلفة للقوى السياسية المتناحرة، التي لا تهتم بمصلحة الوطن ومستقبله، فموقف مختلف الأطياف السياسية غريب ويبعث على الدهشة... جماعة الإخوان المسلمين على سبيل المثال بعد أن تأكدت من نجاح الثورة قفزت عليها ونسبت نجاحاتها لنفسها، واستولت على كافة النقابات والهيئات ومجلسي الشعب والشورى، وبدلا من أن تفي بوعودها في عدم الترشح لمنصب رئيس الجمهورية ُأصيبت بمرض السعار والطمع السياسي، وأرادت السيطرة على كل شيء، ومحو كافة القوى السياسية الأخرى لتكون بديلا عن الحزب الوطني الذي كان يسيطر على كل شيء في مصر. السلفيون: لم نكن نسمع صوتهم أو نعرفهم قبل الثورة، وفجأة خرجوا من القمقم وأصبحوا ضمن الأغلبية في مجلسي الشعب والشورى، وأصبح لهم مرشح رئاسي، وصاروا يلوحون ويهددون بالشارع ضد أي قرار لا يعجبهم.. سبحان الله كنا ننادي بإطلاق سراحهم وإيقاف الظلم عنهم، والآن أصبحوا يهددون من وقف بجانبهم. أما الفلول: وهم بقايا النظام السابق كما يقال عنهم في مصر تجدهم يحاولون بكل الطرق والوسائل إفشال الثورة وكبت إرادة شعب كافح من أجل الحرية والديموقراطية. أما الشباب: المحرك الرئيسي والأساسي للثورة وصاحب الإنجاز الأكبر فقد انسحبوا أو تم سحبهم نظرا لقلة خبرتهم السياسية، ولكنّ المحير أنهم يرفضون الحوار ونصائح الكبار، وإذا اختلف أي أحد معهم وصفوه بالفلول وكالوا له الاتهامات جزافا، وهو ما أدى بطبيعة الحال إلى هرب الناس منهم، ووصفهم بالعيال الذين يرفضون النصيحة. أما المجلس العسكري: فأمره مُحير للغاية، فبرغم دوره البطولي في حماية الثورة والشعب إلا أن جميع قراراته متأخرة وليست حازمة، بالرغم من أن جميع أعضائه تعلموا في الأكاديميات العسكرية أن القرار الصائب هو الذي يأتي في الوقت المناسب.. ثم لماذا هذه المحاولات المستميتة لإرضاء كافة الأطراف مع أنه من المستحيل أن ُترضي جميع الأطراف خاصة في مجال السياسة. لماذا هذه الضجة حول أسماء المرشحين للرئاسة.. أين الديموقراطية؟ لماذا لا يكون الصندوق الانتخابي هو الحكم على كافة المترشحين مهما كانت انتماءاتهم؟ ولماذا لا نعطي الفرصة للجميع ويكون الناخب هو صاحب القرار؟ وهل كل من خدم في النظام السابق هو خائن؟ وهل كل من عارض حكم مبارك هو بطل؟ بالطبع لا. إن مصر تمر الآن بمنحنى تاريخي غاية في الخطورة، ولن يتحمل الشعب استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية بصورة مستمرة على هذا المنوال، لأن الثورة قامت في البداية من أجل تعديل الأوضاع الاقتصادية السيئة التي كان يعاني منها الشعب المصري. مصر في حاجة إلى حب أبنائها.. في حاجة إلى التسامح الذي يميز شعبها الطيب.. في حاجة إلى العمل والإنتاج وليس البلطجة والإضرابات التي تعرقل سير الحياة. إن المواطن العادي على استعداد لأن ينتفض مرة أخرى، لأن ما يحدث في مصر الآن لا يليق بشعبها الطيب.