يعد الفيلم العالمي "لندن ريفر" الحائز على التكريم في مسابقة الدب الذهبي بمهرجان برلين من أهم أعمال المخرج الجزائري رشيد بوشارب، وقد أنتج ضمن تعاون سينمائي مشترك ضم فرنسا وإنجلترا، إضافة إلى الجزائر. "نهر لندن" الذي تبنت وزارة الثقافة الجزائرية إطلاقه إلى العالمية، يروي قصة أب وأم من عالمين متناقضين تجمعهما مصادفة محضة في المكان نفسه، بينما كانا يبحثان عن ابن وابنة مفقودين على إثر هجمات يوليو 2005 الإرهابية التي ضربت العاصمة البريطانية. فيعيشان تجربة الهم الواحد الذي يجمعهما رغم اختلافهما كليا من حيث اللون والدين والانتماء، في الوقت الذي ترسم فيه التفاصيل المأساوية لقصتهما المتطابقة فصلا متكاملا لفهم التداعيات النفسية العفوية في أقصى وأدق حالاتها التعبيرية سعادة وحزنا وترقبا وقلقا، كما يقف الشعور الإنساني شاهدا بكل سماته الطبيعية والفطرية التي تشكل في مجملها لغة لا تحتاج إلى ترجمة بين أي شخصين في العالم، وهما في هذه الحالة تحديدا الفلاحة إنجليزية (إليزابيث) الباحثة عن ابنتها جين والمزارع الأفريقي المسلم (عثمان) الباحث عن ابنه (علي) اللذين يكتشفان أن ابنيهما المفقودين يعرفان بعضهما، وهو ما يعني لهما البحث عن الهدف نفسه، والذي قد لا يكون منظورا بالضرورة ولكننا نحتاج إلى الإيمان بوجوده. دافع المواجهة لا يتمتع بأساس حقيقي في جوهره، واضطراب الظروف وقسوة المستجدات لا يجب أن تمنعنا من حق العيش بوئام، والعيش بوئام لا يتطلب منا سوى محاولة بسيطة للفهم، وهذه حتما ليست الدلالات الوحيدة لهذا العمل، كما لن نحتاج أن نتمتع برؤية عميقة لنقول إن الإرهاب يستهدف الإنسان بالدرجة الأولى أيا كان شكله ولونه، فالفيلم يقول ذلك بوضوح، كما أن اختياره لمهنة "الزراعة" تحديدا يتسق على نحو ملهم مع مبدأ العمل والاجتهاد من أجل أرض جميلة مثمرة تسع الجميع، قد يحتمل كذلك مفهوم الطبيعة أو غرس الحب لحصاد حياة أكثر استقرارا وتصالحا مع النفس والآخرين، حتى النهاية المفتوحة للفيلم كانت تقول إن التفاهم الإنساني مساحة خضراء لا حدود لسلامها الخلاب.