اتسمت العلاقة بين دور النشر والمؤلفين بالاضطراب الدائم. وكثيرا ما يردد في أوساط المثقفين ما يوحي باتجاه دور النشر إلى الكسب المادي ولو كان ذلك على حساب القيمة الإبداعية والمعرفية لمادة الكتاب المنشور. حتى أصبحت طبيعة العلاقة بين الطرفين دائمة التوتر، وغير صحيّة في كثير من الأحيان. بعض المؤلفين اختاروا دور نشر محلية. غير أن غالبيتهم يفضلون الطباعة في الخارج. وبين الأسعار الباهظة وهامش الحرية، والأسعار المناسبة والخطوط الحمراء، ظلت علاقة الناشر بالمؤلف تتأرجح منذ سنين طويلة. يرى الباحث علي مغاوي "أن توزيع الكتب في دور النشر السعودية، يأتي في إطار ضيق"، مشيرا إلى أن هذه الدور تأخذ نسبة من المبيعات تقارب ال40%، ومعظم المؤلفين يدفعون مبالغ مالية كبيرة، ورغم ذلك لا ينالهم إلا نزر يسير من قيمة المبيعات، ولا يعرفون كمية النسخ التي طبعت لكتبهم، وقد يطبع الكتاب أكثر من مرة دون علم المؤلف. ويؤكد مغاوي أن المؤلفين يعانون مأساة تتمثل في صعوبة التواصل مع دور النشر، فبعض الدور لا تتواصل إلا مع "الأسماء الكبيرة"، ومن لهم علاقات قوية، أما غيرهم فلا. وعن لجوء المؤلفين لدور النشر بدل الأندية الأدبية لطباعة كتبهم، أشار رئيس نادي أبها الأدبي أحمد آل مريع إلى أن الأندية الأدبية مؤسسات ثقافية أدبية تسعى بالدرجة الأولى إلى تهيئة مناخ ثقافي يساعد على التفاعل الأدبي الثقافي بين أفراد المجتمع، ومسألة نشر الكتب من أبرز أولوياتها، ولكنها وإن كانت من الأولويات إلا أنها تأتي ضمن أولويات ومهام أخر. وقال آل مريع "لا أتمنى أن يضطر أحد للنشر في أي من الأندية أو دور النشر، لأن الاضطرار يعني الاحتكار والتحكم بقنوات النشر، نحن في واقع ثقافي مفتوح وسوق لتجارة الطباعة مفتوحة، وهذا شيء صحي جدا". وأضاف: "أتمنى أن تكون الأندية خيارا لا التجاء أو اضطرارا، ومن خلال تجربتي الشخصية بصفتي مثقفا وناشطا في مجال الكتابة نشرت نحو 10 كتب، من خلال عدد من دور النشر المحلية والعربية، وعبر الأندية، ومن خلال مؤسسات نشر محلية أخرى، وبالنشر الخاص، فلكل من هذه القنوات محاسنه وإيجابياته وله سلبياته، وللمؤلف أن يفاضل بين كل منها، ويبقى نوع الكتاب وموضوعه واسم المؤلف وتاريخه، واستجابات القراء المتوقعة، فيصلا مهما في تعدد الفرص وتنوعها". مدير إدارة النشر والترجمة والنشر التجاري بشركة ودار نشر العبيكان، سارية الخطيب قال: "إننا نشجع نشر الكتاب السعودي والمؤلفين السعوديين، وشركة العبيكان للنشر منفتحة على كافة شرائح المؤلفين السعوديين والعرب، وكذلك على كافة أنواع الطيف المعرفي، شريطة أن يحقق الكتاب هدفين أساسين، الهدف العلمي والفكري، والهدف التجاري والجدوى التجارية من نشر الكتاب. وأحال الخطيب طباعة بعض المؤلفين كتبهم في دور النشر الخارجية إلى سببين رئيسين: أولهما تكلفة الطباعة التي يعتقد البعض - اعتقادا غير دقيق - أنها عالية نسبيا في السعودية قياسا على غيرها من الدول العربية، ثانيا: مقص الرقيب في بعض الأحيان يدعو بعض المؤلفين للطباعة والنشر من خارج المملكة. وعن اقتناء فئة معينة من الكتاب والمؤلفين للطباعة لهم، قال الخطيب: "بالنسبة للنشر في العبيكان فإن المجال مفتوح على جميع الشرائح العمرية والفكرية والعلمية، كما هو مفتوح على جميع أنواع الطيف المعرفي والعلمي والفكري بما يتوافق مع طبيعة المجتمع السعودي العربي المسلم وقيمه وبشكل وسطي دون تشدد أو تساهل". أما الشاعر عبدالعزيز الشريف "صاحب دار نشر" فيقول "إن لدينا بالدار مستشارا متخصصا لتقييم الكتب التي تصلنا لطباعتها، ونحن ننتقي الأجود من المؤلفين والكتب ولا نركز على الأسماء بقدر ما نركز على الكتاب وما يحتويه من جمال الإبداع، والأسعار لدينا تعتمد على مواصفاتنا وجودة العمل الذي يقدم للمؤلف من حيث الورق والإخراج والتصميم والطباعة، فتقديمنا لمواصفات عالية المستوى نضطر بالمطالبة بسعر يناسب تلك المواصفات، فأنا يهمني تقديم منتج جيد، لأنه يحمل اسم الدار، فالسعر المتدني لن يكون ذا طباعة جيدة، بل طباعة وورق وإخراج رديء، فتوجد دور نشر بخارج المملكة بكثرة من هذا النوع. وتمنى الشريف أن تمتلك الأندية الأدبية مطبعة ودار نشر خاصة بها لكي تقدم أفضل ما لديها للمثقفين، حتى لو اجتمعت ثلاثة أو أربعة من الأندية وأنشؤوا دارا خاصة بها.