يرى العالم الاجتماعي بارسونز أن على المؤسسات الاجتماعية تحقيق أربعة أغراض رئيسية وهي (التكيف، تحقيق الهدف، الكمون، التكامل) للعاملين فيها وقس على ذلك معلمي وزارة التربية والتعليم في وطننا الغالي وما يندرج تحت مظلة هذه الوزارة من قوانين وقرارات وصلاحيات تخص هذا المعلم والتي قد تحقق الأغراض السابقة الذكر وقد لا تحققها البتة، لا سيما هذه الأغراض أجدر أن تحقق من خلال مؤسسات التعليم العام لصالح المعلم ذلك لما يعول على المعلم ببناء الهرم التربوي والتعليمي الأول بحياة الأفراد في المجتمعات الإنسانية جمعاء، والشيء بالشيء يذكر فقد يبنى على عاتقه بناء الهرم الحضاري برمته في المجتمع كافة وليس الأفراد فقط، ونحن هنا نحاول أن نذكر هذه الأغراض مفصلة لنصنف ماذا حصل عليه المعلم منها في عام المعلم، بل في كل أعوام المعلم والذي يلاحظ أن عام المعلم لم يكن بمزايا لافتة بل أيامه ككل الأيام وأعوامه لم تتبدل ولم تتغير بل فقد هيبته التي كان يتمتع بها بين طلابه سابقا، وبأي عيد عدت ياعيد بما مضى أم في الأمر تجديد، والتكيف هنا بمعنى أن يتكيف المعلم مع النظام ولنبدأ من المربع المدرسي، وإدارة ومعدات وأدوات وطلاب ومناهج، ومن الطلاب نبدأ باستعراض ما يواجهه من استهتار واستخفاف بمعلم الأجيال تطاول يصل أحيانا للضرب والشتم ولا إدارة تسعى لإنصافه ولا قانون يحميه، قواعد سلوكية بيد الإدارة وصلاحيات بيد المدير وليس على المعلم إلا أن ينفذ الأوامر التي تأتيه والويل والويل إن تفوه ببنت شفة ودافع عن نفسه فهو هنا قد تطاول وتعدى حدوده بل سيقام عليه الحد ويعاقب على ذلك ويحرم من بعض المزايا في أدائه الوظيفي وينعت "بالمشاغب"، إدارة تحرمه من الاحتفاظ بنسخ أداء وظيفي أو أية أوراق تهمه وليس عليه إلا التوقيع بالعلم، أدوات ومعدات كيف يتكيف معلم بغرفة صغيرة ومكتب ينوء بحمل ثلاثة أو أربعة معلمين، ومناهج حدث ولا حرج تطوير مناهج دون تطوير معلم وعليك حل هذه المعادلة وفاقد الشيء لا يعطيه، فأين تكييف النظام الاجتماعي للمطالب الحقيقة لبيئة المعلم المدرسية، وتحقيق الهدف هنا بمعنى تحديد الأهداف وتجنيد كل الوسائل من أجل الوصول إلى تحقيقها، كيف تحقق أهداف المعلم وهي تعاني حجرا قويا على أبسط حقوقه، وعلى سبيل المثال عندما يحاول المعلم أن يشارك الأطياف العلمية بإنجازاته ونبوغه في عطائه العلمي كهدف غال لإثبات قدرته العلمية، كالمشاركة مثلا "بجائزة التميز" والتي وضعتها الوزارة مشكورة وبمعايير صعبة المنال ليست على المعلم بل حصوله على بعض الأوراق المحجور عليها كما تحدثنا في السابق عنها، فكيف تحقق أهدافه وهو لا يملك مضامين وعناصر التحقيق ممثلة بمدير أو مشرف إما يجهلان النظام أو يمارسان القمع والسيطرة والاستبداد عليه، فالجائزة تطلب أوراقا تثبت معيارا معينا كشاهد له والمدير يرفض إعطاء المعلم صورة من أداء وظيفي وغيره بل بطلب المعلم هذا كأنه عمل جريمة في ذلك حيث لا يحق له أن يتعدى على صلاحيات المدير وأفضل له أن يمشي منكبا على وجهه لا ينظر يمينا ولا شمالا فأين تلك الأهداف التي يعقدها والآمال التي تتحقق. والتكامل أيضا هنا بمعنى إرساء وتنظيم مجموعة من العلاقات بين أعضاء التنظيم بحيث تكفل التنسيق بينهم وتوحدهم في كل متكامل، لن يكون هناك تكامل والمعلم لا ينصف من تطاول طالب ولا بهتان رئيس له. أما الكمون هنا ويا قلبي لا تحزن بمعنى أن يحافظ التنظيم على استمرار حوافزه وإطاره الثقافي، أي حوافز تتوج إنجاز معلم يتوج بها رئيس غير كفء ويظل المعلم يحترق ويذوب وفي النهاية قد تأكل النيران جميع ما حولها ليتحول من معلم إلى هادم للمثل والأخلاق وبدل العمل تخريب وياعيد المعلم الذي خسر كل ما عايد به. وأخيرا لمن يهمه أمر المعلم نقول نحن لا نريد زخرفة، نحن لا نريد مظاهر براقة، لا نريد حلويات، لا نريد مآدب، لا نريد إعلاما وصحفا تكتب غير الواقع، لا نريد معارض تتوج من لا يستحق بالواسطة والهمز واللمز، لا نريد شهادات ورقية تمن علينا، لا نريد وعودا واهية لا نريد أحلاما تصف وترصف أمام المسؤولين الكبار في الوزارة ولا يحقق منها إلا القليل، لا نريد خداعا وسرابا، نريد فقط أن تحفظ لنا كرامتنا، نريد العدل والإنصاف نريد من المسؤول إذا طلبنا محادثته عبر الاتصال أو الزيارة له أن ينصت لنا ولمطالبنا وأن يتقبلنا تماما كما عندنا نتحدث إليه في مؤتمر أو اجتماع في وجود المسؤولين، لا نريد من المسؤول أن ينطبق عليه قول يقولون ما لا يفعلون. فقط ببساطة شديدة يريد المعلم ألا يكون آخر من يعلم، وكأنه أداة تعمل ليستفيد المجتمع من عطائه، الطلاب بالعلم والمثل والأخلاق والرؤساء بالتمجيد والشكر والثناء بل الاستفادة للمجتمع ككل وكأنه آلة تعمل دون أحد يشعر، نحن لا نريد أن تحل بالمعلم حالة الاغتراب التي قال عنها العالم ماركس يوما من ضمن نظريته الصراعية عند ظهور الآلات مقابل عطاء العامل ببدايات عصر التنوير، فتذهب هيبته ويقل قدره وعندها تصبح الحالة انفلات معيار فينتهي به الطريق بوحدة ويأس.