حواء، هي الأخرى تدخل حلبة "العنف"، متخلية عن شيء من نعومتها ورقتها، بعد أن أصابت عدوى "المشادات الجسدية"، عددا من الفتيات، في الوقت الذي نسمع فيه قصصا عن أن هذه الفتاة لقنت زميلة لها "درسا لن تنساه"، وأن ثانية "تفننت في ضرب زميلتها"، وهكذا دواليك، وكأن دولاب العنف لا يستثني أحدا من المجتمع، واضعا الشباب والفتيات على مسطرة واحدة!. فالملاحظ أن قضية "العنف" وأخذ الطلاب بثأرهم، وانتقامهم ممن اختلف معهم من زملائهم لم تعد مقتصرة على الطلاب الذكور وحسب، بل إن القضية امتدت إلى الطالبات كذلك، حيث أكد عدد من التربويات اللواتي استطلعت "الوطن" آراءهن، أن "موسم الاختبارات، يشهد ازديادا في حالات العنف والمشاجرات الانتقامية بين طالبات المدارس، خاصة المرحلتين المتوسطة والثانوية"، وذلك بحسب ما يرونه نتيجة ل"تفريغ شحنة الغضب، التي كانت تكبتها الطالبة داخل نفسها، طيلة الفترة الماضية". ضغوط نفسية هيفاء أحمد، الطالبة بالصف الثاني الثانوي، ترى أن "الضغوط النفسية التي تصاحب فترة الامتحانات، لها دور كبير في حدوث المشاجرات بين الطالبات، لعدم قدرة الطالبة على السيطرة والتحكم بأعصابها، إضافة إلى محاولة بعضهن إثبات الذات عبر هذه الممارسات"، مضيفة في تفسيرها لهذه الظاهرة "إن المشاجرات والتشابك بالأيدي بين الطالبات، يحدث غالباً لأسباب بسيطة وغير ذات أهمية، كأن تنظر طالبة إلى أخرى، أو تتودد لصديقتها، أو معلمتها المقربة منها"، مشيرة إلى أن "المشاجرات غالبا تكون في الفناء الخارجي للمدرسة، لكونه بعيدا عن أعين المعلمات والإداريات". ضربٌ وشدُ شعرٍ هيفاء التي كانت تحكي رؤيتها لما تشاهده، تستكمل ما بدأته من حديث نورة فهد، الطالبة في الصف الأول الثانوي، التي عاشت تجربة "مشاجرة"، حيث تعرضت قبل أيام قلائل ل"شد الشعر والضرب"، من زميلة لها، والسبب كما تقول نورة يعود لكونها "رفضت صداقتها أيام الدراسة لسلوكها السيىء" حسب وصفها، معتبرة أن الفتاة التي اعتدت عليها، اختارت هذا الوقت بالذات ل"كون المعلمات والإداريات منشغلات بالتصحيح والاختبارات، ولتشتيت ذهني في فترة اختباراتي، والتي تحتاج إلى تركيز ذهني، وراحة نفسية وجسدية". ظروف أسرية مها، الفتاة التي ينظر لها عدد من زميلاتها على أنها مشاغبة، وعنيفة، تعتبر أن الظروف التي عاشتها في بيئتها الأسرية المشتتة، جعلت منها "فتاة تتصف بالعنف"، موضحة أنها حاولت السيطرة على وضعها وتغيير سلوكها، إلاّ أنها لم تستطع حتى الآن، وهي تعترف أنها في يوم الثلاثاء الماضي، قامت بإلقاء "حجارة " من فناء المدرسة، أصابت بها ظهر زميلتها لتأخذ ما اعتبرته "ثأرها"، من تلك الفتاة التي "قامت قبل شهرين بدفعي من الدرج، مما أصابني بجرح في وجهي"!. مها التي رمت ب"الحصى"، عاقبتها المدرسة، بأن أخذت عليها تعهدا بعدم تكرار فعلتها، كما قامت ب"الخصم من درجات السلوك". مشاجرات متزايدة المعلمة فاطمة الحربي، التي تعمل بمدرسة متوسطة، تقع بحي مكتظ سكانيا، أكدت في حديثها ل"الوطن"، وقوع المشاجرات بين الطالبات بشكل "كبير"، موضحة أن الأمر تطور حتى وصل ل"تشابكهن بالأيدي في الشارع، بعد الخروج من الامتحان"، موضحة أنه "في العام الماضي، قامت إحدى الطالبات بالانتقام من صديقتها بسكب مسحوق (الكلوركس) على عباءتها، أثناء خروجها من المدرسة"، في إشارة إلى مستوى العنف الذي وصلت إليه بعض الفتيات. الحربي أبانت أن "الإدارة المدرسية تبذل جهودها للسيطرة على الوضع، إلاّ أنه مع العدد الهائل للطالبات، لا يمكن إنهاء المشكلة من جذورها". اعتلال في الشخصية مدير الخدمة الاجتماعية، بصحة المدينةالمنورة، محمد الشاماني، وفي تحليله للمشكلة، يعتقد أن "ممارسة بعض الفتيات لسلوكيات لا تتناسب مع طبيعتها الفطرية، مثل استعراض القوة على شكل مضاربات، أو ألفاظ بذيئة، أو التشبه بالشباب، كقص الشعر وغيره، يعد مؤشراً على وجود علة أو اختلال في شخصية الفتاة، نتيجة تعرضها لعوامل وظروف اجتماعية في مراحل نموها الأولى، بدءًا من معاملة الوالدين، أو نوعية التركيبة الأسرية، مثل كونها الوحيدة بين إخوة ذكور، أو رغبة منها في المحاكاة والتقليد لفتيات مررن بظروف اجتماعية صعبة، كفقد أو غياب الأبوين، أو أحدهما، مما جعلهن يعتمدن على أنفسهن بطريقة خاطئة، في ظل غياب الرعاية والحماية الاجتماعية". وللتعامل الفعال مع مثل هذه الحالات، يرى الشاماني أنه "يجب على الجهات التربوية والاجتماعية، القيام بتدابير علاجية تطبيقية، تناسب هذه الفئة، والتعامل مع نفس العوامل التي أدت إلى ظهور مثل هذه السلوكيات، وليس التركيز على السلوك البارز"، مضيفا أنه في نفس السياق "يجب عمل تدابير وقائية موجهه للأسوياء - الذين لم تظهر عليهم سلوكيات خاطئة - للمحافظة على السواء لديهم". ساحات الجامعة ولم يقتصر عنف الطالبات ومشاجراتهن على مراحل التعليم العام وحسب، بل إنها امتدت مع بعضهن حتى المرحلة الجامعية، حيث فسرت هذا الامتداد في السلوك العنفي، الأخصائية الاجتماعية ب"كلية علوم الأسرة"، بجامعة "طيبة"، أمل الجهني، أن "من الأسباب التي تقف خلف عنف الطالبات في المدارس والجامعات، تهاون الوالدين بالسلوك العدواني الصادر من ابنتهما. حيث إن بعض الآباء يؤيدون ذلك، ويعتبرونه نوعا من الشجاعة وأخذ الحق باليد، إضافة إلى عدم تفعيل دور الإرشاد الطلابي في بعض المدارس، وتحميل المرشدة بعض الأعباء التي قد تصرفه في كثير من الأحيان عن المتابعة الجادة لحالات الطالبات، مما يؤدي إلى التغاضي عن بعض السلوكيات العنيفة الصادرة من بعض الطالبات، حتى تتفاقم الحالة"، معتبرة كذلك أن "طبيعة المجتمع" لها دورها أيضا، حيث "تجعل من الصعب التواصل مع الأهل في كثير من الأحيان، وذلك للتعرف على المشاكل الحقيقة التي يعاني منها الطالب أو الطالبة في المنزل، والتي قد تدفعه للسلوك العدواني". ضرب معلمة بالكرسي! الجهني، ومن خلال واقع عملها، عايشت عدداً من حالات العنف بين الطالبات، منها قيام طالبة في المرحلة الابتدائية، بإلقاء كرسي من أعلى الدرج على رأس معلمة في شهورها الأخيرة من حملها! وعند البحث في ظروف الطالبة الأسرية، اتضح انشغال والدها عنها، حيث إنه متزوج من اثنتين، وغير متفرغ لتربية أولاده، والنمط التربوي السائد لديه هو التعنيف والضرب المبرح. وبالرغم من أنه عرف عن تلك الطالبة السلوك العدواني تجاه زميلاتها، إلاّ أنه لم يتم اتخاذ خطوات عملية لحل مشكلتها، حتى أقدمت على فعلتها مع المعلمة الحامل. عض ورمي بالطوب! ضرب المعلمة الحامل، لم تكن الحادثة الوحيدة التي شهدتها الجهني، من خلال واقع عملها في الإرشاد الاجتماعي، بل هنالك غيرها الكثير، ومنها حادثة اعتداء طالبة جامعية قامت ب"عض" يد إحدى موظفات الأمن، وهي موظفة بحسب الجهني "يُشهد لها بحسن الخلق، والدماثة في التعامل مع الطالبات"، موضحة أن الاعتداء تم "عندما ضبطت الطالبة في مخالفة صريحة للنظام". حكاية أخرى، قامت فيها إحدى الطالبات بالتقاط قطعة طوب "بلوك"، لتلقيها على طالبة أخرى، لولا أن تدخلت حارسة الأمن لفضِ الاشتباك في آخر لحظة! هذا العنف لا تقف قصصه، والتي من تجلياتها قيام إحدى الطالبات إثر مشادة وقعت بينها وبين زميلتها، بدفع الأخرى بشدة، مما أدى إلى إصابتها بجرح بليغ في رأسها. حماية أمنية الإدارية بإحدى ثانويات المدينةالمنورة، حنان بلال، ترى أنه ومن خلال واقع خبرتها في التدريس، وكذلك في العمل الإداري، ضرورة "توفير موظفات أمن في المدارس المتوسطة والثانوية، من الفتيات اللاتي يحملن مؤهلاً لا يقل عن الثانوية العامة، وتزويدهن بجهاز لكشف الجوالات، يحاكي ذلك الذي يستخدم في المطارات للتفتيش، خاصة في فترة الاختبارات، التي تشهد حدوث فوضى ومخالفات من الطالبات، لانشغال المعلمات والإداريات"، متسائلة "نحن لا نعلم ماذا تحضر الفتاة في حقيبتها، أو أين تكون قد أخفت جوالاً أو سكيناً بين طيات ملابسها، ومع غياب دور بعض الأهالي في متابعة بناتهن، وتردي أوضاع المدارس، من شح للكادر الإداري، وعدم فعالية بعض المرشدات الطلابيات، اللواتي قد تكون بعضهن بحاجة لمن يرشدهن!، فإن أعداد الطالبات والوقت لا يسمحان بالتفتيش الدقيق، والمتابعة المستمرة، خاصة في أيام الامتحانات"، مضيفة أنه "عند قيامنا بالتفتيش بناء على بلاغات بعض الطالبات الغيورات، نجد ما لا يقل عن 5 إلى 6 جوالات مزودة بكاميرا في كل مرة يتم فيها التفتيش، وما خفي كان أعظم. كما أننا لا نعلم متى تندلع نيران مشاجرة أو اشتباك بين بعض المحسوبات على التعليم، من الطالبات اللواتي لا يرتدن المدرسة إلا للتسلية". حنان اعتبرت أن وجود مثل هؤلاء الموظفات الحارسات للأمن، "سيحد من الفوضى والاستهتار الموجود في بعض المدارس، ويوفر كذلك فرص عمل ومصدر رزق للعديد من الفتيات، ممن لم يحالفهن الحظ بإكمال دراستهن". 3 أسباب للعنف أما عميدة "كلية علوم الأسرة"، بجامعة "طيبة"، الدكتورة سها بنت هاشم عبدالجواد، فأكدت على ضرورة "دراسة العلاقة الارتباطية بين الضغوط التي تتعرض لها الطالبات، وبين السلوك العدواني العام، ولابد من ملاحظة الدور المسكوت عنه، للضغوط النفسية الناشئة عن المستوى الدراسي في أبعاده المختلفة، وعلاقتها بمستوى السلوك العدواني عند الطالبات، من وضع مقياسين نفسيين، أحدهم للضغوط النفسية الناتجة عن التعليم، والآخر للتعرف على السلوك العدواني لديهن". مضيفة أن"معظم سلوك الإنسان، يتم تعلمه عن طريق القدوة، ومن خلال عملية التقليد والمحاكاة. وهناك ثلاثة مصادر رئيسية للسلوك المتسم بالعنف في المجتمع الحديث، وتتمثل هذه المصادر في تأثير الأسرة، ووسائل الإعلام، وخاصة التلفزيون، وتبني قيم الجماعات، التي اكتسبت الثقافة الفرعية للعنف". مضيفة في حديثها ل"الوطن"، أن "البيئة الأسرية تعتبر بيئة خصبة لنمو العنف والسلوك العدواني لدى الأبناء، خاصة في الأسر التي يكون فيها الآباء لديهم سلوك تسلطي وعدواني، فهم يعمدون بذلك إلى انتهاج هذا السلوك، فالأبناء عندما يتعرضون إلى العنف والعدوان من آبائهم، يتولد لديهم إحباطات وصراعات نفسية، يتم تفريغها من خلال انحرافات سلوكية، تتخذ أنماطا وأشكالا مختلفة، إلا أن خطورة هذه السلوكيات تكمن في تهميش دور الأسرة في بناء الشخصية السوية، وعدم مقدرتها على تنشئة أفرادها وإرشادهم، إلى أنماط التفاعل الاجتماعي الايجابي مع الآخرين"، وهي بذلك تعتبر أن "الأسرة تلعب دوراً حاسماً في رسم شخصية الفرد وتحديد سلوكه، والمعايير والقيم السائدة، وأن أسس الضبط الاجتماعي تغرس بواسطة الوظيفة التربوية من محيط الأسرة". وسيلة هروب ولكن، ما الذي يجعل بعض الطالبات يلجأن إلى العنف، على عكس طبيعة الفتاة من رقة، وسماحة؟ تجيب د.سها عبدالجواد "إن بعض الطالبات يلجأن إلى العنف والتشاجر مع زميلاتهن، كوسيلة للهروب من واقعهن الأسري والاجتماعي الصعب من ناحية، ومن ناحية أخرى من أجل إثبات ذاتهن وإعطاء أنفسهن هوية ذاتية مميزة عن الآخرين"، مشيرة إلى "أنهن بالأصل يفتقدن لمشاعر الأسرة الدافئة، من حب وحنان وحماية، والحاجة إلى الانتماء"، معتبرة أن "المستوى الثقافي والاجتماعي لهذه الأسر، يلعب دورا هاما في ثقافة العنف لدى الأبناء، فأغلب الأبناء الذين يتسمون بسلوك عنيف – بحسب قولها - غير مؤهلين علميا، مما يولد لديهم حالة من الفراغ النفسي، وعدم الشعور بالأمان الاجتماعي، ويؤدي بهم إلى انتهاج السلوك العنيف للخروج من هذه الأزمة، والذي غالبا ما يكون هذا السلوك ناتجا عن أزمة نفسية تشعر بها الشابة، ولا تجد له مخرجا".