أدى فن الصور الشخصية دوراً مهماً خلال مراحل تطور الفن الفرعوني كما يُشير الدكتور محسن عطية في كتابه "جذور الفن" وتحقق له الازدهار العظيم في الوجوه الجنائزية المصورة على أغطية التوابيت التي عُثر عليها ضمن حفائر منطقة الفيوم، والمرسومة على قطع خشبية وهي مشرقة تتمتع بجاذبية وحيوية. ورسم البورتيريه يترك انطباعاً عن الأشخاصن وعندما يرسم الفنان تلك الوجوه فإنه لا ينقلها نقلاً باهتاً كما تفعل الكاميرا الفوتوغرافية فحسب بل إنه يجسد ما تحمله من مشاعر وأحاسيس. وهذا ما جعل راسكين يقول: "إن أفضل الصور الموجودة للمدارس العُظمى هي البورتيريه". أما عندما يرسم الفنان التشكيلي ذاته فإنه يجسد ما بداخله من مشاعر تجاه نفسه أولاً، وما يود قوله للمتلقي ثانياً؛ مما يساهم في ترك انطباع تخيلي عن ذاته لدى كل من يشاهد صورته المرسومة. والبورتريه الشخصي يعني تمثيل الفنان التشكيلي لنفسه في عمل فني تشكيلي سواء أكان مسندياً أم فوتوغرافياً أم نحتياً، وقد اشتهر هذا النوع من الفن خلال منتصف القرن الخامس عشر الميلادي. وخلال عصر النهضة قام كل من: فان جوخ، وليوناردو دافنشي، وفرانسسكو جويا، ورينولدز، وأوجين ديلاكروا، برسم أنفسهم، إضافة إلى جان فيرمير الذي رسم نفسه في لوحة ظهر فيها منهمكاً في رسم لنموذجه الحسناء وهي موقعة بعام 1666. ويبرز من الفنانين السعوديين الذين رسموا أنفسهم: خليل حسن خليل، وفهد النعيمة، وسعيد سعيد الشهراني، وعبد الله البارقي، وفهد الحجيلان وغيرهم كثير. إلا أننا سوف نسلط الضوء على مجموعة ممثلة منهم، ففي البداية نشاهد عملاً للتشكيلي خليل حسن يغلفه الحزن، وعيون تتطلع نحو المجهول رسمه وهو في سن الشباب في عام 1977 وهو لم يتجاوز التاسعة عشرة من عمره وسط خلفية قاتمة. وذكر خليل أن مساحة اللوحة نحو(93×80) سم استخدمت فيها ألوان الزيت وبودرة الزنك، واستغرقت منه ثلاثة أسابيع، وقد شارك بها ضمن أنشطة الأسبوع الثقافي السعودي المغاربي بالجمعية السعودية للثقافة والفنون في الرياض عام 1978. وعن مصير اللوحة الآن أجاب خليل بأنها ضمن المقتنيات الخاصة بأسرته في جازان. أما الفنان فهد النعيمة فذكر أنه رسم نفسه لأول مرة عندما كان صغيراً لا يتجاوز عمره آنذاك 16 سنة، وكان ذلك عام 1997، وهي من اللوحات العزيزة على قلبه نظراً لقدم تاريخها ولأنها توثق بداياته في رسم البورتيريه، وقد استخدم فيها أقلام الرصاص والفحم. وأضاف النعيمة أنه قام برسم نفسه ثلاث مرات في مراحل عمرية مختلفة أهدى إحداها إلى زوجته. وقد انتهى مؤخراً من رسم بورتيريه لنفسه بألوان الأكريلك. وعن الطريقة المتبعة في رسم ذاته أجاب بأنه في السابق كان يستخدم الصور الشخصية المطبوعة، أما الآن فإنه يقوم بتصوير صورته بجهاز الآيفون ومن ثم يقوم برسمها. من جانبه ذكر التشكيلي سعيد سيّد الشهراني أنه قام برسم نفسه أكثر من مرة على لوحات لا تزيد مساحاتها عن (70×50) سم استخدم فيها وسائط معددة، مثل: الورق، والقماش، وألوان الفحم، وألوان الباستيل، إلى جانب ألوان الزيت. وأضاف الشهراني بأنه يقوم بين الفينة والأخرى برسم ذاته تنفيساً عن انفعالاته وتجسيداً لما يشعر به في داخله مستخدماً المرآة في ذلك تماماً كما فعل فنان الشعب الأميركي خلال القرن العشرين نورمان كويل الذي قام برسم نفسه من وقع مرآة وضعها إلى جوار لوحته.