يشكل اليوم وضعاً جديداً واستثنائياً لليمنيين، عنوانه غياب رئيس أحكم قبضته على البلاد ل 33 عاماً، وحان وقت طي صفحته بانتخاب خلف له يدخل القصر الجمهوري ويعيد رسم وجه جديد لليمن. يوم 23 فبراير 2012 تطوى صفحة الرئيس علي عبدالله صالح عن حكم البلاد ويبدأ عهد جديد على رأسه عبدربه منصور هادي، الذي جاءت به الأقدار ليكون الرئيس المقبل، ويرث تركة 33 سنة من حكم سلفه مواجها مخاطر عدة تستهدف كيان الدولة وهويتها. الشباب.. غالبية شباب الساحات الذين يشكلون الغالبية العظمى لحركة التغيير في البلاد، والذين قتل منهم المئات على أيدي قوات الأمن خلال عام من الثورة، التي مر يوم ال11 من الشهر الجاري ذكرى اندلاعها الأولى، يأملون بإعادة تشكيل مفهوم التغيير باعتبار أنهم يكونون بذلك قد حققوا الهدف الأول من خروجهم إلى الساحات. السياسيون، الذين أجبروا على قبول التسوية ينظرون إلى الأمور من زوايا مختلفة، فهم يدركون أن "قلع النظام" كان صعباً وأن الوصول إلى هذا الهدف كان سيكلف البلاد الكثير من الخراب والدمار، وفوق ذلك كله سقوط أعداد هائلة من الضحايا، لهذا فتحت التسوية السياسية نافذة لخروج الجميع بأقل الخسائر. بالنسبة للمواطن البسيط، الذي اكتوى بنار الأزمة طوال عام من الاحتجاجات المتواصلة، فإن هدفه اليوم هو استعادة حياته التي افتقدها طوال هذه الفترة، فقد أحدثت الأزمة دماراً في النفوس قبل الأبنية، وصار المواطن يرنو إلى عودة الأوضاع إلى عهدها السابق مع التغييرات التي قبل بها الجميع بدون المزيد من الخسائر. إنها "اللعبة السياسية" في نظر الأحزاب والقوى السياسية المتصارعة، لكنها بالنسبة لشباب الساحات "اللعبة الثورية"، أما المواطنون البسطاء الذين تضرروا من الأزمة فإنهم يرون أن اللعبتين، إذا لم يتم ترشيدهما؛ فإنهما ستقودان البلاد إلى دمار شامل، ويجب أن ترتفع الأصوات لوقفهما. حال المواطن اليمني اليوم يدفعه إلى البحث عن خيارات أكثر عقلانية، وإن لم تكن تنافسية، ستكون البلاد مقدمة على مرحلة هامة وخطيرة، فأمام الرئيس الجديد مهام استثنائية، وسيكون مخطئاً من يعتقد أنه سيكون مرتاحاً في عمله ومنصبه الجديد، فهذا المنصب لم يسع هادي للوصول إليه، بل تم انتخابه لهدف وحيد يكمن في "إنقاذ اليمن من الخراب والدمار"، فهو يدرك أن التحديات التي ستواجهه ستخصم من رصيده السياسي بكل تأكيد، فهو لن يُرضي أحداً، سواء أصحاب الدعوة إلى الانفصال في الجنوب أو أصحاب التوسع في الشمال، والمقصود هنا الحوثيون الذين يراهنون على ضعف الدولة القادمة، أو تنظيم القاعدة الذي يتأهب ليأخذ مساحة جغرافية أكبر ويتمدد حتى البحر الأحمر وخليج عدن ليكون قريباً من القرن الأفريقي الملتهب. محطة استثنائية سيكون اليوم.. محطة فاصلة واستثنائية في حياة اليمنيين، وهو تعبير أكده عبدربه منصور هادي، الذي سيخلف الرئيس صالح، عندما قال "إن اختياره رئيساً جديداً لليمن عن طريق انتخابات غير تنافسية لا يعني سوى أن (الظرف استثنائي والوضع استثنائي والوقت استثنائي)". في إشارة إلى أن مدة بقائه في السلطة لن تزيد عن عامين، بحسب بنود المبادرة الخليجية، التي وقعت عليها كافة الأطراف السياسية الفاعلة في البلاد. بوابة عبور ويحلو لكثير من السياسيين، بخاصة من هم في السلطة التأكيد على أن الانتخابات، وإن كانت ليست تنافسية، هي بمثابة بوابة عبور آمنة للمستقبل، خاصة أن الأوضاع القائمة في البلاد لا تزال تحت مؤشر الخطر، فالأوضاع لا تزال هشة، والكثير من المراقبين يرون أن الاتفاقية الموقعة بين الأطراف السياسية يمكن أن تنهار في أية لحظة، ما لم يصل الجميع إلى اللحظة الحاسمة في العملية السياسية برمتها بدون مشاكل، أي نقل السلطة بشكل آمن من الرئيس صالح إلى نائبه عبدربه منصور هادي. وحرص طرفا الأزمة على التأكيد على مواقفهما من الانتخابات، فكل منهما لم يرد أن يظهر أنه رافض لها، وجاهد من أجل إظهار الطرف الآخر بأنه من يسعى ويخطط لإفشال الانتخابات وعرقلتها، وعزز ذلك الأجواء المشحونة في معسكر كل طرف والشعور أن الرهان على صندوق الاقتراع ليس سوى مناورة يتحين كل منهما الفرصة للانقضاض على الآخر. وعلى الرغم من أن مسار التسوية يبدو قائماً اليوم، فإن هناك خطوات كبيرة لكبح الحلول العسكرية. الخروج من عنق الزجاجة الأهم لدى صانعي القرار الدولي أن البلد تخرج من "عنق الزجاجة الضيق" بواسطة الانتخابات، حتى وإن كانت غير تنافسية، على أن يبدأ الرئيس الجديد تنفيذ بقية بنود المبادرة، في وقت زمني محدد بعامين، وتتمثل في الدعوة لإجراء حوار وطني شامل لا يستثني أحداً، وليس فيه خطوط حمراء، كما أكد على ذلك هادي، في الكلمة التي ألقاها عند تدشين حملته الانتخابية الأسبوع قبل الماضي، وخص بالذكر الوضع في الجنوب مع الداعين للانفصال عن دولة الوحدة والوضع في الشمال، مع الحوثيين، الذين خاضوا 6 حروب مع النظام امتدت من عام 2004 وحتى العام الماضي. ومن أهم القضايا التي لا بد من بحثها خلال هذين العامين إعادة هيكلة الجيش الذي انقسم بين مؤيد للثورة وحام للنظام القائم الذي يمثله الرئيس صالح، وهذه النقطة تعد واحدة من المشاكل التي قد يواجهها الوسطاء نظراً لحجم التعقيدات التي تكتنف هذا الملف، في ظل إصرار كل طرف على الاحتفاظ بالوحدات التي حاربت معه، ولعل حديث نائب قائد الحرس الجمهوري من أن قائد الحرس وهو نجل الرئيس صالح سيبقى في منصبه، حتى بعد إعادة هيكلة الجيش وإصرار الطرف الآخر على بقاء اللواء علي محسن الأحمر في قيادة الفرقة الأولى مدرع، دليل واضح على حجم هذه التعقيدات. وفي الشأن السياسي فإن صياغة هوية الدولة الجديدة، ما إذا كانت ستبقى مركزية أو ستتحول إلى دولة اتحادية لا مركزية بأقاليم مختلفة، بالإضافة إلى هوية النظام رئاسيا كان أم برلمانياً، ستكون قنبلة موقوتة في ظل الاختلاف الكبير على هذه القضية، خاصة أن الكثير من القوى السياسية ينظر إلى فكرة "فدرلة البلد" وكأنها بمثابة انفصال حقيقي على الأرض ونجاح لمشروع تفتيت الدولة اليمنية. أما المهمة الأكبر التي تواجه السلطة القادمة فتتمثل في تغيير الأوضاع الاقتصادية للمواطنين، فبدون هذه الحلول ستبدو أية تحركات عديمة الفائدة، فالمواطن اليمني صار يواجه شبح المجاعة والجفاف، والبنية التحتية ضربت بالكامل، والبلد تعيش تحت الصفر في كل شيء تقريباً، الكهرباء، المياه، الخدمات العامة، وفوق كل ذلك صراعات مجتمعية تتنامى مع كل تأخير في إيجاد الحلول الاقتصادية والسياسية. القضية الجنوبية هناك تيارات في الحراك الجنوبي، على رأسها نائب الرئيس السابق علي سالم البيض والرئيس السابق علي ناصر محمد ورئيس الوزراء حيدر أبوبكر العطاس، رفضت إجراء الانتخابات في الجنوب قبل حل القضية الجنوبية، ويرى أحدها أن السماح بإجراء الانتخابات يعد بمثابة "شرعنة للاحتلال"، بحسب ما أفصح به البيض الذي يتجول في المنطقة لحشد الدعم للانفصال أو ما يطلق عليه "فك الارتباط" بين دولتي الشمال والجنوب. أما العطاس وناصر فإنهما دعوا إلى التحاور حول القضية الجنوبية وحلها قبل الدخول في لعبة الانتخابات، ويرى التيار الذي يتزعمانه أن الحل على قاعدة دولة واحدة بإقليمين (شمال وجنوب) في أول خطوة ومن ثم إفساح المجال للجنوبيين للاستفتاء على البقاء في دولة الوحدة أو الانفصال، هو الحل الأفضل للقضية الجنوبية. خطورة الوضع في الجنوب أنه يفتح المجال للفوضى في كل أرجائه، مما يترك المجال لتمدد تنظيم القاعدة الذي سيجد في هذه الأوضاع فرصته لتعزيز وضعه، وبالتالي "تعقيد الحل" عوضاً عن تبسيطه، ولعل ما جرى في مدينة عدن والضالع كإحراق ساحة شباب الثورة في عدن ومهاجمة اللجان الانتخابية في الضالع دليل على التعقيدات الجدية التي ستواجهها السلطة في الوقت الحاضر قبل انطلاق الحوار الوطني. الحوثيون في الشمال أما في الشمال فإن الحوثيين أعلنوا صراحة رفضهم للانتخابات باعتبارها نتاجاً للمبادرة الخليجية المرفوضة من قبلهم، التي يعتبرونها قطعت الطريق على التغيير الثوري بإرادة الناس الذين خرجوا إلى الساحات من أجل التغيير لا من أجل التسوية السياسية التي أفضت إليها الثورة، إلا أنهم أبدوا ليونة في الأيام الأخيرة عندما أكدوا أنهم لن يمنعوا من يرغب في التوجه إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم مع الاحتفاظ بحقهم في رفض الانتخابات. مؤشر التحديات بوصلة الجنوب والشمال مؤشر هام على التحديات التي تواجه وستواجه القيادة الجديدة بعد الانتخابات، وربما يساعد على تحريك ملف الجنوب أن عبدربه منصور هادي ينتمي إلى المناطق الجنوبية، الذي أبقى على خط ساخن مع علي ناصر، وهو من منطقته في أبين، وحيدر العطاس، المنتمي إلى محافظة حضرموت، من أجل تهدئة الأجواء لإجراء الانتخابات بشكل هادئ حتى لا تتعرض شرعية الرجل إلى خدوش، على الرغم من أن هناك جمهوراً كبيراً في الجنوب لا يزال متمسكاً بخيار الوحدة وبحل القضية الجنوبية معاً، وهذا التيار يتواجد حتى في الأحزاب السياسية، مثل الحزب الاشتراكي اليمني والتجمع اليمني للإصلاح، وهما أكبر حزبين ومعهما المؤتمر الشعبي العام تواجداً في المناطق الجنوبية من البلاد. ويرى مراقبون أن نجاح السلطة في تهدئة خواطر الجنوبيين، سيفتح الباب واسعاً لمناقشة القضية الجنوبية بقلب مفتوح وبدون ضغوط أو مواقف انتقامية، مما سيتيح المجال لإيجاد حلول ترضي الجنوبيين الذين تم تهميش مشاركتهم في صناعة القرار داخل إطار دولة الوحدة منذ تحقيقها عام 1990، ويؤكدون أن الحراك السلمي الذي خرج للمطالبة بإسقاط النظام قد بدأت تباشيره تتحقق، والأهم هو أن يشاركوا في الحوار الوطني لصنع تاريخ بلد لم يعد يحتمل التشرذم أكثر، فالحلول الأحادية لن تجلب للبلد سوى الدمار والخراب، ولن يعود الجنوب كما كان قبل الوحدة ولا الشمال شمالاً. يكفي أن يقتنع الجميع بأن نتائج المرحلة الحالية هي أعلى سقف من مطالب كل طرف، فالنظام لم يستطع أن يكسر شوكة المحتجين الذين خرجوا إلى الشوارع بالملايين، بخاصة أن لديه قوة عسكرية ضخمة، رغم استخدامه السيئ لها في المواجهات، والمحتجون لم يستطيعوا أن يتخلصوا من النظام كاملاً ويعملون على "اجتثاثه"، كما كانوا يتمنون، والأهم أن يعمل الجميع لخير اليمن والعمل على أن يقف على قدميه من جديد. 6 ملايين يمني يختارون رئيسهم صنعاء: صادق السلمي، الوكالات أعلنت مصادر مسؤولة في اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء في اليمن أن غالبية الناخبين صوتوا لعبد ربه منصور هادي كرئيسٍ جديدٍ للبلاد خلفاً للرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي من المقرر أن يصل البلاد للمشاركة في حفل تنصيب هادي بمشاركة عربية ودولية. وأشارت ذات المصادر إلى أن التقديرات الأولية لنتائج فرز أصوات المقترعين في الانتخابات الرئاسية المبكرة التي جرت أول من أمس تتجه إلى ترجيح حصول هادي على ما يزيد عن 6 ملايين صوت، بزيادة مليوني صوت عما حصده سلفه صالح في الانتخابات التي جرت عام 2006، مؤكدة أن النتائج النهائية ستعلن بشكل رسمي خلال سقفٍ زمني لن يتجاوز اليوم. وكان مصدر رسمي مطِّلع قد أكد أن عملية فرز الأصوات تمت داخل المراكز الانتخابية الموزَّعة في كافة المدن والمديريات، وأن ما يزيد عن 70% من هذه المراكز أشعرت اللجنة العليا بنتائج الفرز. وشهدت صناديق الاقتراع إقبالاً كثيفاً رغم دعوات المقاطعة من الحوثيين وبعض فصائل الحراك الجنوبي، حيث شهدت محافظة عدن إقبالاً من الناخبين وسط انتشار أمني مكثَّف لقوات الحرس الخاص والشرطة العسكرية والأمن، التي دخلت في اشتباكات متقطعة مع معارضي الانتخابات أسفرت عن سقوط 7 قتلى، بينهم 3 جنود. أما في مناطق الشمال، حيث يوجد الحوثيون، فلم يفتح في مدينة صعدة سوى مركزُ انتخابي واحد، حسب مسؤول محلي. وأشادت واشنطن والاتحاد الأوروبي بالانتخابات الرئاسية الأخيرة في اليمن واعتبرتها مخرجاً للأزمة القائمة في البلاد منذ أكثر من عام، رغم أنها لم تلب معايير الديموقراطية المعروفة في العالم الغربي. كما أشاد بها وفد مجلس التعاون لدول الخليج العربية. من جهة ثانية رجَّحت مصادر في الرئاسة أن يصل الرئيس السابق علي عبدالله صالح إلى اليمن قادماً من الولاياتالمتحدة للمشاركة في مراسم تسليم السلطة للرئيس هادي، مشيرة إلى أن الرئاسة تعتزم إقامة احتفالية تكريم ووداع خاصة لصالح بالتزامن مع تنصيب هادي. وهي الاحتفالية التي سيحضرها عدد من الشخصيات التي عملت معه خلال سنوات حكمه التي امتدت 33 عاماً، إلى جانب كافة الشخصيات المدعوة لحضور الاحتفالية. على صعيد آخر أقدم مسلحون على اختطاف رئيس مجلس الشورى، عبد الرحمن عثمان، وموكبه في منطقة آنس بمحافظة ذمار أثناء عودته من الحديدة التي شارك فيها في التصويت في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ولم تعرف أسباب الاختطاف والجهة التي قامت به.