بينما يأخذ النظام العالمي الناشئ شكله الجديد، هناك جدل واسع يزداد حدة حول مسار القوى الصاعدة وما يعنيه وصولها إلى مواقع نفوذ إقليمية وعالمية للولايات المتحدة، وعلى نظام الحُكم العالمي بشكل عام. يتراوح الحديث عن القوى الناشئة –التي يقصد بها غالباً مجموعة بريكس (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا) لكنها تضم في الواقع حوالي 10 دول أخرى ممثلة بشكل كبير في مجموعة العشرين (G-20)- يتراوح بين إثارة القلق والتفاؤل. وقد نشرت مؤسسة "بروكينجز" للأبحاث في يناير الحالي دراسة أعدها كل من تيد بيكون وإيميلي ألينيكوف حول أثر هذه الديموقراطيات الصاعدة وتداعيات الربيع العربي على الديموقراطية العالمية وحقوق الإنسان بشكل عام. يقول المتشائمون إن الصين، بنموها الاقتصادي المثير للإعجاب ونفوذها العالمي المتزايد، في موقع جيِّد لتحدي دور الولاياتالمتحدة كدولة عظمى وإضعاف التزام القوى الصاعدة الأخرى بالقيم الليبرالية. ويقول المحللون الأكثر تفاؤلاً إن بروز القوى المتوسطة، ومعظمها دول ديموقراطية بألوان مختلفة، له أثر جيِّد على العالم: الملايين يتخلصون من الفقر، وسيادة القانون أصبحت أكثر صلابة، والنظام العالمي سيكون أكثر شمولاً وتمثيلاً. كلا النظرتين تحمل بعض الحقيقة. من حيث المبدأ، تزايد قوة هذه الدول الإيجابي واندماجها ضمن البناء العالمي يُعتبر أمراً إيجابياً تماماً، وهو قصة نجاح للنظام العالمي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. فيما توسِّع الصين إمكانياتها الاقتصادية، أصبح نموذجها في النمو يزداد جاذبية لدول نامية أخرى تسعى لتحسين أدائها الاقتصادي، وهو أيضاً نموذج معاكس للنموذج الغربي للتطور الديموقراطي. لكن من التضليل القول إن صعود القوى الناشئة هو حتماً تهديد لحكاية النجاح الغربية. هناك مجموعة من هذه الدول، تحديداً الهند، والبرازيل وجنوب أفريقيا، بالإضافة إلى إندونيسيا وتركيا، استطاعت أن تخطو خطوات اقتصادية مثيرة للإعجاب، بما في ذلك توسيع الطبقة الوسطى، وفي الوقت نفسه تعزيز الديموقراطية وتوسيع حقوق المواطنين. الدول الخمس هي عضو في مجموعة العشرين (G-20) التي تضم أهم اقتصاديات العالم، ومعظمها دول ديموقراطية. ويتطلع القادة والناشطون حول العالم إلى هذه الدول كنماذج للنجاح الاقتصادي والسياسي. هذا صحيح بشكل خاص في إطار "الربيع العربي"، حيث تتطلع الدول في المرحلة الانتقالية إلى القوى الديموقراطية الناشئة للمعونة وطلب النصيحة. تركيا وإندونيسيا، كدول إسلامية ديموقراطية، تلعبان دوراً في هذا الإطار. وبالنسبة للمهتمين بالتوجهات المستقبلية للاهتمام العالمي بالديموقراطية وحقوق الإنسان، من المهم معرفة كيف تدمج هذه القوى الناشئة الجديدة الديموقراطية وحقوق الإنسان في سياساتها الخارجية. وبينما تشترك جميع هذه الدول في الإحساس بالفخر لأنها خرجت منتصرة من أيام الاستبداد والاستعمار والحُكم العسكري السوداء، تمتلك كل واحدة منها تاريخاً خاصاً في التحول الديموقراطي وتطور حقوق الإنسان، وكل من هذه الدول تدمج هذه القيم ضمن سياساتها الخارجية بشكل مختلف. والدول الخمس كلها لديها إيمان عميق بقيمة الديموقراطية وحقوق الإنسان كمبدأ في السياسة الخارجية، ووقعت على قائمة طويلة من المعاهدات والإعلانات والمواثيق التي تلزمها باحترام هذه القيم في داخل البلاد وخارجها. ولكن مثل الديموقراطيات الأخرى، تتصرف هذه القوى الناشئة بشكل غير متسق وغير متوقع أحياناً عندما يتعلق الأمر بتطبيق هذه المبادئ على حالات محددة. ومثل الدول الأخرى، هذه الدول مهتمة بشكل أساسي بالأمن القومي والنمو الاقتصادي والاستقرار الإقليمي، وهي توازن بحذر بين هذه القضايا وبين حقوق الإنسان والديموقراطية. ولفهم كيفية أداء هذه الدول في وجه تحديات الديمقراطية الدولية وحقوق الإنسان خلال السنوات الماضية، قامت دراسة "بروكينجز" بتحليل مقاربات هذه الدول نحو قضاياها الإقليمية وردة فعلها على المطالب الواسعة للديموقراطية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط. وتوضِّح الدراسة أن الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا تميل أكثر نحو سياسة عدم التدخل الخارجي، فيما تتخذ تركيا موقفاً أكثر حيوية وقوة في عملية التحول الديموقراطي في منطقتها. بالنسبة لجميع هذه الدول الخمس، هناك اعتماد على المنظمات الإقليمية في التعامل مع الأزمات السياسية في الجوار. مؤسسة بروكينجز • مؤسسة غير ربحية مركزها واشنطن. • يعود تأسيسها إلى عام 1916 عندما قام عدد من الإصلاحيين بتأسيس معهد الأبحاث الحكومي. وفي عام 1922 قام سومرز بروكينجز بتأسيس معهد الاقتصاد، ثم أسس أيضاً معهد دراسات عليا يحمل اسمه عام 1924. وفي 1927، اندمجت المؤسسات الثلاث لتشكيل مؤسسة بروكينجز. • بالإضافة إلى مركزها الرئيسي في واشنطن، هناك مكاتب لها في الدوحة وبكين.