إن أسوأ السجون تلك السجون العقلية التي تضع بينها وبين المعرفة حواجز خرسانية، وتجعل بينها وبين التجديد والمراجعة للوعاء المعرفي أغلالاً حديدية وبرزخاً وحجراً محجوراً خشية الغربة أو الوقوف على الأخطاء؛ مما يولد لديها إحساساً بالشبع المعرفي الأجوف الذي يولد الجمود والتقليد لسدنة الفكر والمعرفة، فيرضوا العيش في كنف معرفتهم وجهلهم وصيغهم التقليدية في حالة ذهنية يغلب عليها التحجر والانغلاق والخوف والرهبة من أية نسمات معرفية قد تطيح ببنيتهم المعرفية التي يضعون بينها وبين محاكمتها جسوراً وأسوارا لعصمتها وحمايتها من المحاكمة فيتسللون إلى جحورهم المعرفية في ضيق ودعة لحماية ضعفهم وهشاشة ثقافتهم. من يرضى بهذا العيش لا يبحث عن الصواب الواسع وتجديد لباسه المعرفي فيظل أسيراً مكبلاً في أغلال انغلاقه وجهله وبنيته الهشة. وكان من لزوم الحكمة أن يسعى في أرض المعرفة كي يكسب أرضاً جديدة يضرب فيها ويبحث فيها عن كنوز المعرفة والتجديد كي يحرس ثقافته بتجددها ويلبسها لباس المحاكمة العقلية والمعرفية قبل أن تنكشف سوأته فيطفق يخصف عليها من أوراقه وقراطيسه كي يواري عجزه وجهله وسوأته.