ظاهرة جديدة باتت تسيطر على مستخدمي "فيس بوك" و"يوتيوب" خلال الأيام القليلة الماضية، وهي تبادل "مقاطع فيديو" تفضح عدداً من فلول النظام المصري السابق، تتصيد أقوالاً تلفظوا بها أو أفعالا تورطهم وتُظهر ارتباطاتهم بالنظام السابق، وأثبتت تلك المقاطع نجاحها في التأثير على الرأي العام، خاصة مع اشتداد المنافسة في الانتخابات البرلمانية، واقتراب انتخابات الرئاسة. وتبارى النشطاء ومستخدمو "فيس بوك" و"تويتر" في استخدام الفيديوهات بدلاً من التعليقات الإلكترونية، باعتبار أن الصورة أصدق من الكلمات، وتنازعت تلك المقاطع ما بين تسريب لفيديوهات نادرة، أو تسليط الضوء على مقاطع قديمة اختلف موقف أبطالها بعد الثورة، أو عرض فيديوهات تُبث لأول مرة صوّرها أشخاص كانوا بالمصادفة في قلب الحدث، ساعدتهم التكنولوجيا الحديثة بما تتيحه من هواتف محمولة قادرة على التصوير والاتصال بالإنترنت لرفع الفيديوهات. وفور إعلان نتائج المرحلة الأولى لانتخابات مجلس الشعب، والإعلان عن فوز المرشح " مصطفى بكري" قام نشطاء برفع فيديو على "يوتيوب"، له وهو ممسك بيد جمال مبارك ابن الرئيس السابق وينحني له ويتحدث معه، وفيديو آخر للمرشح المحتمل للرئاسة الدكتور محمد البرادعي، وهو يقرأ آيات من القرآن بصورة خاطئة، ويتلعثم في نطق الحروف في أحد البرامج. ولم يفلت عمرو حمزاوي المرشح الفائز في الانتخابات البرلمانية من براثن هذه الظاهرة، إذ عُرض له مؤخراً فيديو يتحدث فيه عن بعض من آرائه المخالفة، ورغم إعلانه قبل أيام في مؤتمر صحفي تكذيب تلك المزاعم إلا أن ذلك لم يمنع انتشارالفيديو على "فيس بوك" الذي نشر تحت عنوان "المتحولون". ونجحت مقاطع الفيديو في اختراق كواليس وأسرار تنحي الرئيس السابق حسني مبارك، حيث عُرض مؤخراً فيديو يظهر ما جري في غرفة قطاع الأخبار بالتليفزيون المصري قبل إعلان بيان التنحي بدقائق، بحضور اللواء إسماعيل عثمان عضو المجلس العسكري، ورئيس قطاع الأخبار آنذاك عبد اللطيف المناوي، وهو الفيديو الذي آثار ضجة إعلامية دفعت برئيس القطاع الحالي إبراهيم الصياد، لفتح تحقيق فوري في أسباب تسريب هذا الفيديو والمسؤول عنه. كما كان لمقاطع الفيديو دور كبير في الإيقاع بما عرف إعلاميا ب قناص العيون" وهو الضابط محمود الشناوي المتهم بتعمد إصابة المتظاهرين في عيونهم، خلال أحداث "التحرير" الأخيرة نهاية نوفمبر الماضي، وتجاوز عدد مشاهدي هذا المقطع 600 ألف مشاهد، نجحوا في توجيه الرأي العام المصري نحو بشاعة ما قام به الضابط لتتعالى الأصوات بضرورة محاسبته، وهو ما حدث بالفعل ، حيث يخضع حالياً للمحاكمة. من جانبه أكد أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة الدكتور هشام عطية ل"الوطن"، أن تلك الظاهرة خلقت ساحة من المنافسة غير المباشرة تتم فيها مواجهات شخصية، إما للانتقام وتصفية الحسابات، أو إحراز نصر على حساب الخصوم، خاصة إذا ما اُستخدمت في إطار الصراع السياسي، وهو ما يدعو إلى إيجاد سبل قانونية لضبط هذا النمط من النشر الإلكتروني. واعتبر أن سيطرة تلك الظاهرة على مستخدمي "فيس بوك" في مصر، واتجاههم لتحويل الحياة إلى مقاطع فيديو، ما هو إلا جزء من ثقافة عصر يعيشه الجيل الجديد، سبق أجيالا بعضها كانت ثقافته مطبوعة، وبعضها توقفت ثقافته عند التليفزيون والراديو. إلى ذلك قال عضو الجمعية المصرية لمكافحة جرائم الإنترنت الدكتور جمال عبد الباقي، إن "كل من يعمل بالحياة العامة أصبح مايقوم به من سلوكيات أو أقوال، محل اهتمام ورصد ومتابعة، ومن ثم عليه أن يمتلك مقومات الخبرة السياسية، لاسيما في ظل مجتمع يشهد حدة في الصراع السياسي. وأضاف أن أغلب الرموز والأحزاب السياسية في مصر حالياً لجأت إلى مقاطع الفيديو عبر اليوتيوب، إما لتضيف إلى رصيدها، أو التقليل من رصيد المنافسين، مشيراً إلى خطورة هذه الظاهرة، خاصة في ظل عدم وجود الرقابة القانونية التي تنظم هذا الأسلوب من النشر الإليكتروني، إذ يصعب تعقب من قام بتحميل المقطع، لأنه غالباً ما يتم تحميله تحت مسمى مجهول. وأكد عبد الباقي أن الجيل الحالي لم يعد يتعامل مع التليفزيون أو الصحف إلا نادراً، وبات كل اعتماده على الكمبيوتر والإنترنت، ليتعامل مع الحياة بأسلوب حديث قائم على التصوير، ورصد المواقف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحتى رصد الحياة الخاصة لبعض الشخصيات، بأقل مجهود وأقل تكلفة عبر هواتف نقالة لديها القدرة على التصوير والاتصال بالإنترنت.