لم يدر بخلد الشاب نايف الشهري أن يكون ضحية تصفية حسابات بين صديقه وشباب آخرين، والتي كانت نتيجتها هتكا في الحجاب الحاجز وقطع 3 سم من معدته، و2 سم من الرئة وحرمانه من الالتحاق بوظائف عسكرية أو مدنية شاقة بعد تعرضه لعدة طعنات أثناء تجوله في أحد أسواق الطائف. انتقام على الرغم من عدم بلوغ حالة حمل الشباب للأسلحة البيضاء إلى ظاهرة تقلق المجتمع السعودي، إلا أن البعض منهم يلجأ إليها لتصفية حسابات لهم مع آخرين نتيجة خلافات سواء مادية أو غيرها، اعتقادا منهم بأنها الوسيلة الانتقامية الوحيدة، التي تثبت رجولتهم، وسجلت شرطة جدة عدة حالات اعتداء على النفس بواسطة سلاح أبيض أفضت إحداها إلى الموت، إضافة لتسجيل شرطة الطائف لقضية مؤخرا، كاد يفقد فيها المعتدى عليه حياته من دون ذنب ارتكبه في حق الجاني. وبرر اختصاصيون اجتماعيون لجوء فئة من الشباب للتسلح بالسكاكين والمشارط بالأفعال الإجرامية، واصفين إياها بأحد إفرازات العصر الإلكتروني، محملين المجتمع المسؤولية فيها نظرا لغياب النصح والإرشاد. طُعن بالخطأ ويروي نايف الشهري أنه تعرض لعدة طعنات من شخص مجهول، أثناء تجوله مع صديقه في أحد أسواق الطائف. وأضاف "شعرت حينها بإغماءة مباغتة، وكان آخر ما سمعته صراخ المتسوقين مستنجدين لإغاثتي، وكان المشهد أمامي ضبابيا"، مبينا "أنه لمح مراهقين وهما يركضان بسرعة، وأن آخر ما شاهده هو وجه صديقه وهو يركض وراء الطاعن الذي كان يحمل سكينا تقطر دماً". وأضاف "أنا لا أعرف المعتدي وليس بيني وبينه أي علاقة أو ضغينة، وفوجئت حينما علمت أنه كان يقصد طعن صديقي بسبب خلاف بينهما." مشدداً أنه لن يتنازل عن دعواه ضد المعتدي، ولا سيما أن أسرته أصيبت بصدمة كبيرة بعد رؤيته في المستشفى، خاصة والدته التي كادت تفقد وعيها من شدة الهلع خوفا على حياته. من جانبها وصفت أم نايف - تربوية بإحدى مدارس الطائف - ما تعرض له ابنها الوحيد بين شقيقاته بالمصيبة الكبرى والتي أثرت على جميع أفراد أسرتها، وقالت "حرمنا الحادث النوم والراحة، حيث قضينا جل وقتنا بالتنقل بين المستشفيات ومراكز الشرطة، فضلا عن الآثار النفسية والصحية التي تعرضت لها" بعد سماعها بخبر الاعتداء على ابنها الوحيد. وأشارت التقارير الطبية، التي اطلعت عليها "الوطن" إلى وجود "هتك في الحجاب الحاجز وقطع 3 سم من المعدة، و2 سم من الرئة وفقدان كمية كبيرة من الدم، إلى جانب منعه من حمل الأشياء الثقيلة، وحرمانه من الالتحاق بوظائف عسكرية أو مدنية شاقة. دور توعوي من جهته، أوضح المتحدث الرسمي بشرطة جدة العميد مسفر الجعيد أن الشرطة تنظم دورات توعوية لطلاب المدارس عن أخطار الأسلحة البيضاء، داعيا الجهات المعنية إلى التكاتف والتنسيق المشترك لإيجاد آلية متفق عليها تواجه بموجبها هذه الظاهرة الخطيرة التي باتت تنتشر بين أفراد المجتمع ولا سيما الشباب ومعاقبة مرتكبيها. وأضاف "أن جميع التشريعات تمنع استخدام السلاح الأبيض", مشيرا إلى العمل على دراسة الأنظمة واللوائح وما تتضمنه من أساليب وقاية وعقوبات لتقييمها بين فترة وأخرى، إلى جانب تعزيز الآليات القضائية والإدارية لتمكين الضحايا من الحصول على الإنصاف الفوري. مدارس جدة خالية ونفى مدير عام التربية والتعليم في محافظة جدة عبد الله الثقفي وجود تلك الظاهرة في مدارس المحافظة، مرجعا ذلك إلى تطبيق برامج توعوية خاصة بخطورة استخدام وحيازة تلك الأسلحة، إضافة إلى تطبيق نظام العقوبات الرادعة المنصوص عليها في اللوائح الوزارية في حال ثبوت إدانة أي طالب مخالف مما ساعد على القضاء على هذه الظاهرة بشكل نهائي في مدارس المحافظة. ولفت إلى الدور التوعوي الذي تنفذه إدارة الإرشاد الطلابي من خلال البرامج التي تستهدف جميع مراحل التعليم, إضافة لدور مديري المدارس والمسؤولين في تكريس مفهوم الأمن الاجتماعي داخل المدارس من خلال الإذاعة الصباحية وحصص النشاط الطلابي. غياب الرقابة من جانبه، عزا المحامي والمستشار القانوني فهد محبوب انتشار ظاهرة السلاح الأبيض بين المراهقين إلى غياب الدور الرقابي للعائلة على الأبناء، وكذلك الجهات التعليمية، مشددا على سن عقوبات مشددة للمتجاوزين، لافتا إلى أن الإجراءات القانونية تبدأ بتسجيل الواقعة في أقسام الشرطة ومنها إلى القضاء، وأن العقوبات تتفاوت بين التعزير والقتل حسب الحالة وتداعيات القضية ورؤية الشرع. فيما يرى وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية وأستاذ علم الاجتماع الدكتور عبدالله اليوسف، أن الفقر والتفكك الأسري وتداخل الثقافات الغربية على مجتمعاتنا المحافظة ومشاهدة القصر والمراهقين لأفلام تحرض على القتل والسلب، تعتبر عوامل مساعدة على انتشار تلك الظاهرة بين الأبناء، مطالبا بتفعيل دور الأسرة والمجتمع للقضاء عليها. رجولة زائفة إلى ذلك، وصف مدير مستشفى الصحة النفسية بجدة رئيس لجنة الطب النفسي بصحة المحافظة استشاري علم النفس الدكتور سهيل خان انتشار الظاهرة بين المراهقين بالسلوك غير السوي، لافتا إلى أن هدفهم هو "إثبات الذات ومحاكاة مناظر القوة التي توردها الأفلام"، مضيفاً أنها تمثل حالة من الفضول للفت الانتباه إليهم، مثلما يفعلون في التفحيط، وأنه قد تطرأ على بعض المراهقين ظواهر نضوج الإجرام بداخلهم، ويجب متابعة تلك الحالات وسرعة علاجها، ملمحا إلى تدني لغة الحوار بين الشباب.