لطالما كنت أسمع وأقرأ أن البشرية قد وصلت إلى حدود من التطور والتقدم والنمو على المستوي المعرفي والفكري والثقافي والصناعي، وبلغت مستوى لم تبلغه من قبل, وبالمقابل تتعجب من الأرقام المخيفة هنا وهناك. ففي كتاب الاتجار في البشر بين الاقتصاد الخفي والاقتصاد الرسمي للدكتورة سوزي ناشد، تذكر أن تقريرا دوليا لمنظمة العمل الدولية في عام 2002م ذكر فيه أن هناك ثمانية ملايين طفل يمارسون الدعارة أو انخرطوا في نزاعات مسلحة. وفي تقرير آخر أعدته مجموعة «ستراتيجيك فورسايت جروب» ونشر بإحدى الصحف جاء فيه أن كلفة النزاع في الشرق الأوسط خلال العشرين عاما الماضية بلغت 12 تريليون دولار. هذان النموذجان البسيطان شيئان يسيران من نماذج تبعث الحيرة في الإنسان وتجعله يتساءل ما إذا كان هذا التقدم والتطور كان على حساب رصيدنا الإنساني أو كان جزئيا لا شموليا. أي أنه اقتصر على مجموعة من البشر دون سواهم. قد يقول قائل إن أكثر هذه الدول من الدول النامية التي تعاني من مشاكل اقتصادية نتيجة لعدم الاستقرار السياسي أو للفساد الإداري والمالي المتفشي بها أو لانعدام الموارد بها. ولكن المصيبة أنه حتى دول العالم الأول تشارك بطريقة أو بأخرى في هذه المشكلة. من الغرابة أن تشاهد إنسانا قد بلغ من المستوى الفكري والثقافي والمعرفي والإنساني مبلغا يثير الاحترام تجاهه، بينما في ذات الوقت تجد ما يقابله من البشر الذين يجهلون الفوائد والإيجابيات لهذا التطور. ولا يزالون يتمسكون بأفكار وقيم لم تعد تتلاءم مع التجربة الإنسانية وخلاصتها التي استخلصت من تجارب قرون بأكملها. هذا يقود بطريقة أو بأخرى إلى أن نغير المعنى الحقيقي للتطور الإنساني. فهو تطور لامس جزءا من البشرية وأخشى ما أخشاه أن يولد زيادة الجهل والعيش في الظلمات لدى نصف البشر وما يقابله من زيادة في العلم والعيش تحت شمس المعرفة لدى النصف الآخر, وأن يصنع نوعا من العداء والكراهية بين الطرفين مما يقودنا إلى حرب عالمية.