وسط بيت شعبي تفوح رائحة الفقر من جنباته في حي غليل في جده، تجلس أم يوسف وأم فهد تنظران بعين يملؤها اليأس ونظرات حائرة بين أبنائهما العشرة واحتياجاتهم التي ينوء بها الرجال.. للوهلة الأولى يخيل لك أنهما أختان، بينما هما ضرتان وحدّهما البؤس، مطلقتان لمواطن قرر التخلي عن أبوته ومسؤولياته وتركهما تغرقان في الفقر والحاجة لينطلق بحثاً عن ثالثة يشقيها. ولا تتوقف مأساة المرأتين عند الفقر فحسب، بل أبى المرض إلا أن يكون شريكاً فاعلاً في مأساتهما، فالإبن الأكبر يوسف (18 عاماً) تكالبت الأمراض على جسده النحيل، في ظل ضيق ذات اليد وفقدان الهوية التي حرمته وإخوانه وأخواته الإعانة من الضمان الاجتماعي، بعد إصابته قبل 8 أعوام بمرض القلب وتورمت كبده والتهبت رئتاه كما أصيب بسرطان المثانة والسكري. وتسرد أم يوسف (الزوجة الأولى) قصتها مع طليقها الذي اقترنت به قبل 23 عاماً في الطائف، مشيرة إلى أنها رزقت منه بخمسة أبناء، وبسبب مرض ابنها يوسف قرر الهرب والزواج من أخرى. وتحت ضغط أهلها، طلقت منه فأخذ منها أبناءها واختفى. وظلت تبحث عنهم 12 عاماً دون جدوى، إلى أن جاءها اتصال من زوجته الثانية (أم فهد) تخبرها فيه بأن أبناءها يعيشون معها في جدة. وذكرت أنها صدمت حينما أتت إليهم وشاهدت حالتهم المزرية والمنزل المتهالك الذي يعيشون فيه وسط القوارض وكل أنواع الحشرات. وأضافت أن زوجها كرر فعلته مع زوجته الثانية، بعد أن زاد الحمل عليه وعجز عن تلبية متطلباتها وأبنائها الخمسة فقرر تطليقها والفرار للزواج من ثالثة. وقالت ل "الوطن"، إنها وجدت أبناءها وأشقاءهم من أبيهم يعانون عدداً من الأمراض، لا سيما الأنيميا بسبب عدم توافر أطعمة مناسبة لهم، مؤكدة أنهم حرموا جميعاً من التعليم بسبب عدم إضافتهم في حفيظة النفوس، التي حرموا بسببها من تلقي مساعدات من الضمان الاجتماعي. وتضيف أنها صدمت حينما علمت أن ابنها يحتاج لزراعة قلب عاجلة، لكن حالته الصحية لم تسمح بإجراء تلك العملية، حيث قرر بعض الأطباء في أحد المستشفيات الحكومية إعطائه مسكنا حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا. أما الزوجة الثانية أم فهد (يمنية الجنسية)، فأوضحت أنها حاولت قدر الإمكان مساعدة يوسف في علاجه من خلال بطاقة الأب في مستشفيات حكومية، وأنها كثيرا ما كانت تعجز عن الذهاب به إلى المستشفى بسبب عدم توافر ثمن المواصلات. وتخشى المطلقتان من انتقال المرض من يوسف لبقية الأبناء، بخاصة أن جو البيت غير صحي، ولا تتوافر فيه أدنى متطلبات المعيشة، كما أنهما مهددتان بالطرد من المنزل لعجزهما عن دفع الإيجار الذي يبلغ 900 ريال شهرياً آملتين بأن تجدا حلاً ليوسف بوضعه في أحد المستشفيات للاعتناء بحالته، ومد يد العون لهما بإيجاد مكان مناسب للعيش فيه، وحصول أبنائهم على هويات سعودية حتى يتمكنوا من الحصول على مساعدة الضمان الاجتماعي. وفي اتصال هاتفي ل" الوطن" بمدير عام الشؤون الاجتماعية بمنطقة مكةالمكرمة عبد الله آل طاوي، أكد أن وزارة الشؤون لم تدخر جهداً في مساعدة هؤلاء الأبناء من الذين تهاون آباؤهم في تسجيلهم، مبدياً رغبته في بحث حالة الأسرة وتكليف الجهات المختصة لتسجيلهم حسب النظام، ثم رفع تقرير للوزارة ببيان سرعة صرف الضمان الاجتماعي للمستحقين من أبناء المرأتين. وتشترط وزارة الشؤون الاجتماعية على الراغبين في الحصول على الضمان الاجتماعي أن يكونوا من حاملي البطاقة الشخصية أو دفتر العائلة، والإقامة في نطاق خدمات المكتب المقدم له الطلب، مع "برنت" من الأحوال ودفتر العائلة الخاص بوالد المطلقة. ومن ناحية أخرى، أكد مدير التطوير والعلاقات بالأحوال المدنية بمنطقة مكةالمكرمة نزار معتوق أن إدارة الأحوال لن تدخر أي جهد ولن تقصر في مساعدة أبناء المملكة وفق النظام إذا توفرت الأوراق الرسمية المثبتة لذلك، كشهادة ميلاد وعقد زواج.