الثانية عشرة بعد منتصف إحدى ليالي الإجازة الصيفية، هو توقيت تعلم فيه الشاب خالد لف مادة الحشيش المخدر، معتمداً على توجيهات أصوات ناعمة في غرف الدردشة.. اللاتي اعتمدن على إثارته جنسياً تمهيداً لإدخاله ذلك النفق المظلم وإيهامه بأنها ستحمله على بساط الريح محلقة به إلى عالم جميل أشبه بالخيال. ولم تكتف تلك العصابات بتعليم الضحية خالد الاستخدام، بل مكنته من مشاهدة مراحل صناعة الحشيش وهو في منزله مما أدى به إلى تعاطيه بالإضافة إلى تمكينه من مشاهدة أشخاص وهم في حالة من النشوة بعد استخدامهم لمادة الحشيش. وفي وقتنا الراهن الذي اقترن بالتطور الحاصل في مجال الإعلام والفضائيات والإنترنت لتسهيل الحياة، إلا أن هناك من استغلها في تدمير الفكر ونشر الإرهاب وترويج وتهريب المخدرات، وهو ما أدى إلى بروز مشكلة خطيرة جداً تمثلت في إدخال المخدرات والمؤثرات العقلية في خضم هذا العالم الافتراضي من خلال استغلال إمكاناته في التخطيط والتواصل بين التجار والمروجين. ليلة السقوط وقال خالد علي في حديثه إلى "الوطن" :"وقعت في فخ المخدرات ولم يكن ذلك بإرادتي أو برغبة مني بل كنت أجلس حينها وحيداً في غرفتي بعيداً عن أنظار أسرتي، وكنت أتمنى من والدي أن ينقذني، بسؤاله عن نشاطي الذي أزاوله عبر النت قبل أن أقع في فخ المخدرات"، مشيراً إلى أن بدايته في تعاطي المخدرات كانت في ساعة متأخرة من الليل، وقال " تحديداً بدأت في تعاطي المخدرات الساعة الثانية عشرة والنصف في أول خميس من الإجازة الصيفية للعام الحالي، وذلك من خلال غرف الدردشة". وأضاف "بدأت بصوت ناعم تحادثني بعبارات رنانة مستغلة مرحلتي العمرية.. وما أعيشه من جفاف عاطفي، فسرقت عقلي واستمالت قلبي"، لافتاً إلى أنه لم يقع ضحية لآفة المخدرات فحسب بل تسببت تلك الليلة التي أطلق عليها "ليلة السقوط" بانحرافات سلوكية بما شاهده في غرف الدردشة من مشاهد فاضحة عبر الكاميرا الخاصة لمن أوهمه بعلاقة عاطفية. ترتيب مسبق وروى حسين عبدالله أحد مستخدمي الإنترنت أنه تلقى أكثر من بريد باللغة الإنجليزية طالب صاحبه باستقبال كمية من المخدرات عن طريق إحدى شركات الشحن الخاصة، مؤكداً أن الرسالة تضمنت عبارات تطمئنه بأن "كل شيء سيكون مرتباً.. ولن يكون هناك ما يدعوه للقلق".. وكل ما عليه فعله "إرسال بياناته وبيانات شركة الشحن القريبة منه"، مبيناً أنه حذر جميع أصحابه من مثل هذه الإيميلات بإرساله تحذيراً لكل زملائه المضافين معه في بريده الخاص. تصرفات زميلاتها تمنعها إلى ذلك، أكدت هند أحمد - طالبه جامعية في مرحلتها الأخيرة - بأنها كادت أن تكون ضحية للوقوع في آفة المخدرات، قائلة "طلبت مني إحدى الزميلات أن أسجل معها هي وبعض الصديقات في أحد المواقع الإلكترونية، لكنني رفضت بشدة، بعد ما شاهدت الفتور والشحوب على وجوههن وكذلك تصرفاتهن غير اللائقة بعد دخولهن وانجرافهن إلى تلك المواقع المشبوهة". تحويل مالي كما كشف حسن علي أنه مستخدم للإنترنت منذ 2007 وأنه خلال الفترة الماضية تلقى العديد من الإيميلات مجهولة المصدر ، التي غالباً ما تكون من جنوب إفريقيا تدعوه إلى إرسال مبالغ نقدية وتزويده بالحساب؛ حيث يدعي أحد الأشخاص أن لديه ثروة كبيرة ويحتاج مبلغ تخليص معاملات المحكمة لديهم وبعد ذلك سيرسلها إلى حسابه الشخصي ويلح بإرسال مبلغ 50 ألف ريال نظير هذه الإجراءات، مؤكداً بأن كل هذه الأمور تواجه مستخدمي الإنترنت بشكل يومي. صداقات دون حدود من جانبه، أكد مساعد مدير عام مكافحة المخدرات للشؤون الوقائية بالمملكة والخبير بالأمم المتحدة عبدالإله بن محمد الشريف في تصريح صحفي إلى "الوطن" بأن غرف الدردشة تهدف إلى تكوين صداقات دون حدود يستخدم من خلالها مروجو المخدرات هذه الوسيلة في ترويج سمومهم على الأطفال والمراهقين والشباب والفتيات، لافتا إلى أن "المروجين يلجؤون إلى الضحية من خلال علاقات وهمية وعاطفية والعمل عليه برسائل متواصلة، مستخدمين بذلك الإيميل وغرف الدردشة وبث رسائل خفية عن المخدرات". وأشار الشريف إلى أن كثيراً من المراهقين يقعون في فخ تلك الألاعيب وينساقون خلف غرائزهم وبالتالي يصبحون مجردين من وسائل الدفاع المطلوبة، وعادة ما تأخذ هذه العلاقات مراحل تبدأ بالتفهم لطبيعة المشكلة ثم التأثير على المتلقي والتضليل به وعادة تستخدم الرسائل الإلكترونية وعبر الجوال، وقد تروج عن طريق آخر مشبوه هو طريق الابتزاز العاطفي المباشر. حيل وتابع مساعد مدير عام مكافحة المخدرات بالمملكة "لا شك أن مهربي ومروجي المخدرات وجدوا عن طريق الإنترنت تحقيق مأربهم فقد تم كشف آلاف المواقع بجميع اللغات استخدموا من خلالها ألعاب الأطفال والقمصان في ترويج بضاعتهم واستخدام الدمى الإلكترونية من أجل توضيح كيفية صناعة المخدرات وطريقة لف الماريوانا أو الحشيش خطوة بخطوة، والترغيب بتعاطيها مع تصوير الخطوات ونشرها في العديد من المنتديات والمواقع الإلكترونية وغرف الدردشة، وتقديمهم لشرح مبسط عن المقادير المطلوب توفرها، والإعلان عن الموضوع بعبارات تدعو إلى (الاعتماد على النفس) في لف الحشيش بالمنازل". وكشف الشريف بأن المروجين يدعون إلى ما هو أدهى وأمر وهو تقديم الحيل التي تمكن الفرد من إخفاء حقيقة تعاطيها عن أقاربهم أو معارفهم وذلك بالإشارة إلى بعض المواد الغذائية الفعّالة التي يمكن أن تساعدهم في استعادة نشاطهم الطبيعي بصورة سريعة أو التخفيف من احمرار العينين وذبول وشحوب الوجه أو التقليل من الانفعال أو إخفاء أماكن وضع الإبر. هدم للقيم وعن الشخصيات التي تسعى لتدمير المجتمع من خلال الشبكة العنكبوتية أوضح رئيس قسم الخدمة النفسية والاجتماعية وعلاقات المرضى بمستشفى الدرب العام الأخصائي النفسي أحمد محمد مسعود بأنه في ظل الثورة المعلوماتية التي يشهدها العالم والممثلة بالشبكة العنكبوتية هناك بعض الشخصيات المضادة للمجتمع أو ما يعرف في الطب النفسي الحديث "بالشخصيات السيكوباتية " تسعى لجعل الإنترنت وسيلة وأداة للتخطيط لتنفيذ أنواع متعددة من الانحرافات ضد القيم والقوانين التي تحكم المجتمع. جرائم معلوماتية وأشار إلى أن ذلك يختلف بحسب نوع الانحراف السيكوباتي الذي تعانيه الشخصية ومجاله؛ وهذا ما جعل كثيراً من الدول تلجا لسن قوانين لمكافحة الجرائم المعلوماتية عبر الإنترنت؛ بهدف كبح جماح هدا النوع من الشخصيات التي تتمثل جرائمها في الابتزاز والتغرير والاحتيال والاعتداء الجنسي على الأطفال وغيرها من الجرائم. وأضاف الأخصائي النفسي بأن الرادع لمثل هده الوسائل هو تنمية الوازع الديني لدى الأفراد والتوعية من خلال تعاون كافة مؤسسات المجتمع المدني وتعميق الدراسة والبحث لأساليب المعالجة والمكافحة لهدا النوع من الجرائم. علاقة وثيقة من جانبه أضاف المشرف التربوي بوحدة الخدمات الإرشادية بتعليم صبيا حسن بن صديق الصم بأن هناك علاقة وثيقة بين المخدرات والإنترنت؛ حيث إن مشكلة المخدرات أصبحت ظاهرة عالمية تؤرق المجتمع في ظل التقدم والتطور التقني والإلكتروني. وقال الصم "إن مدارسنا ليست بعيدة عن هذا الخطر فهي تعيش ضمن إطار المجتمع ولا تخلو من بعض المنغصات في بعض الأحيان من وجود أفراد سواء طلاب أو طالبات أو بعض من منسوبيها في عملية التعاطي يتفاوت ذلك بين المدرسة في المدينة والقرية". وأكد مشرف التوجيه والإرشاد بأن الوضع أصبح خطيراً مع انتشار الفضائيات والجوالات والإنترنت، كون العالم أصبح قرية صغيرة، لافتاً إلى أن هذا الوضع لم يكن في الزمن الماضي حين كان هناك تعاون بين أفراد المجتمع لكافة الأمور الدخيلة، الأمر الذي يجب أن يتنبه له ويعمل له العديد من البرامج الوقائية التي تحد من آثاره، مرجعاً أهم الأسباب التي تدفع الأبناء والبنات في الوقوع في ذلك المنزلق هو "المتسع من الوقت لمتابعة ونشر الثقافة المسمومة على الإنترنت، وتبادل الأخبار من خلال غرف الدردشة التي تقدم عدداً من المعلومات للمتعاطين وتدعوهم إلى كيفية التعاطي للمخدر"، وقال "إن دور الشبكة العنكبوتية في ترويج ثقافة المخدرات يظهر من خلال المحادثات في تلك الغرف، ويمكن معرفة أسباب تعاطي وإدمان المواد المخدرة التي يتم صناعتها منزلياً من خلال المعلومات المتوفرة في هذه المواقع ". ثالوث خطير وبين مشرف التوجيه والإرشاد بأن "المرحلة العمرية" كالمراهقة للفرد هي خطيرة، "إذا لم توجد الوسائل المانعة لها من عمليات وبرامج وقائية مبكرة كما تعمل بذلك العديد من المدارس في عملية تثقيف وتوعية أبنائها من الطلاب والطالبات وذلك من خلال العديد من الوسائل المعينة، من محاضرات وندوات ومطويات ونشرات وغيرها من الأساليب، وكذلك التعاون الوثيق بين لجنة مكافحة المخدرات ووزارة التربية والتعليم في دعم الجانب الوقائي من خلال إرسال مندوبين من لجنة المكافحة للمدارس لتنفيذ العديد من المعارض الوقائية والبرامج التثقيفية". ودعا الصم أولياء الأمور والمعلمين وخطباء الجوامع وكافة أفراد المجتمع للوقوف صفاً واحداً أمام هذه الآفة الخطيرة التي من شأنها تدمير كيان المجتمع.