المخدراتُ بابٌ من أبواب الشّرِّ المفتوحة على مصراعيها، داهمتنا على حين غرّة؛ إذا ولجَ إليها أحدٌ فقد غمرته مواطن شتّى؛ تأكل منه روحه، وتنخر في جسده، وتضيّع منه ما تبقّى من حياته؛ إلاَّ أنْ يتداركه الله بمنّه وفضله. دعونا نكتب هذا الرقم في الذاكرة: 280 ألف مدمن في المملكة كما تُشير إحصاءات مدير عام مكافحة المخدرات اللواء عثمان المخرج!! ودعونا نستبْصر ذلك الرّقم المهول الذي يثير الدّهشة، ويبعث على اللّوعة؛ لا يحمله على العزاء سوى ما نلمسه من يقظة متْسارعة؛ قوامها الضّرب بيد من حديد على كل عابث بأمن هذه البلاد الطّاهرة. إنَّ محاولة إعادة قراءة ذلك الرقم من زاوية أخرى؛ ستصبح القراءة الفاحصة؛ هكذا: 280 ألف عقلٍ ذهبَ منه تماسكه، وضاعت لبناته!! 280 ألف جسم تتهاوى، وتتداعى، واتنفرط كما تنْفرط الحبّات من العقد!! 280 ألف نفسٍ تقطّعت أواصرها؛ فلم يعد لها رابطٌ يربط نظامها، وينسّق شؤونها، ويركز قوامها!! من هنا كان الاستشعار الكبير من لدن صاحب السّمو الملكيّ وزير الدّاخلية الأمير نايف بن عبد العزيز - رعاه الله- إذ يقول: “حرام ومؤلم أن يجد الأب أحد أبنائه الذي عقد عليه الآمال ورباه وعلمه ينحدر ويضيع في متاهة المخدرات”. ويضيف سموه : “إنّ مجتمعنا مستهدف والكميات التي تصل إلى المملكة كميات غير معقولة؛ لا من الحشيش، ولا من الهروين، وهي أسوأ أنواع المخدرات، ولا من الحبوب والكبتاجون وما يماثلها وهي كميات مزعجة والحقيقة أنّه لولا وجود المشتري لما أتت بهذا القدر، ونحن مستهدفون من جهات متعددة من أجل الكسب المادي ومن أجل إفساد مجتمعنا على حساب الأرباح المادية”. يقول الباحث الدكتور فايز الشهري في ورقة له بعنوان (المخدرات وشبكة الانترنت.. رؤية تحليلية لاستخدامات الشبكة العنكبوتية في ترويج المخدرات): “تشير تقارير أمريكية لسنة 2007م أنّ مستوى قابلية طلاب المرحلة الثانويّة لتعاطي المخدرات تصل إلى 9 من كل 10 طلاب”. إذا يكفي أنْ نعلمَ أنّ تجارة المخدرات تعدّ ثالث أكبر تجارة غير مشروعة في العالم؛ حيث يصل حجم هذه التّجارة إلى 320 مليار دولار سنويًا، بحيث تعادل الناتج المحليّ لحوالي 90% من دول العالم! وتبلغ حجم تجارة تهريب المخدرات في جميع أنحاء العالم حوالي 400 مليار دولار مع هامش ربح خيالي يوازي 300 في المائة. وإذا كانت أساليب ترويج ثقافة تعاطي وقبول المخدرات أخذت منحىّ أخراً في ظل التّقدم الهائل في التقنية؛ فقد باتت شبكة الانترنت في كثير من الكتابات الاجتماعيّة أسّ البلاء – كما يعبر عن ذلك الدكتور الشهري- وتعدّ منتديات الشّباب، وغرف الدّردشة الالكترونيّة مكاناً مرشحًا وَجَدَ فيه بعض المتعاطين، ومن يروّجون لثقافة المخدرات ملاذًا آمنًا للتّباهي بهذه الثّقافة وترويجها. ولم يعد الأمرُ مقصورًا على ما سبق؛ بل وصل الأمر إلى تَقْديمِ معلوماتٍ عن أماكن توافرها عبر مدن العالم، فلم يعد سرًا أنّ شبكة الانترنت تقدّم (لكلّ فردٍ) (أيّ) معلومة عن (أيّ موضوع)؛ ومن هذه المعلومات نجد وجود عدد لا يُستهان به من المواقع والمنتديات؛ ناهيك عمّا توفره غُرف الدّردشة من تواصل مباشر لتعلّيم مستخدميّ الانترنت عن أماكن تواجد هذه المخدرات وطرق الحصول عليها. فهل بعد هذا من قول يستحق الذّكر والرّقم المفزع يعتلي منصة المقال..؟!!