أرجع عضو هيئة التدريس بكلية الآداب في جامعة طيبة الدكتور عدنان عبيدات كثرة الدراسات لشعر المتنبي، واستحضاره في الشعر والمسرح والقصة إلى الحقبة السياسية المهمة التي عاش فيها، حيث إمارة الحمدانيين بعد ضعف الخلافة كانت شوكة في خاصرة الروم، وهي المرحلة السياسية الحرجة في تاريخ العرب التي سجل المتنبي وقائعها شعرا. وكاد إشكال مفهوم "الشعر الجاهلي" أن يخرج المحاضرة التي ألقاها عبيدات أول من أمس في صالون الدكتور سليمان الرحيلي الثقافي من سياقها، حين أشار إلى أن الشعر الجاهلي قدم معاناته بطريقة رمزية وبصورة فنية عالية، واستقطبت إشارته كثيرا من المداخلات التي دفعت الدكتور سليمان الرحيلي إلى القول إنه لا ينبغي أن نصف مجتمعا من المجتمعات بصفة ملازمة له مثل "الجهل" و"التخلف" و"البداوة" لأن مثل هذه الأوصاف متغيرة وليست جينات وراثية. وأشار عبيدات إلى عوامل أخرى ساهمت في بروز تجربة المتنبي من بينها طبيعة شعره الذي يجعلنا - بحسب عبيدات - نعيش بين الحلم والواقع، وبين المثال والحقيقة، وطموحه إضافة إلى تعدد جوانب شخصية المتنبي، موضحا تأثر الشعراء به من بعده قديما وحديثا، ودارت حوله حركة نقدية واسعة عند القدماء والمحدثين، حتى شرح ديوانه أكثر من أربعين مرة، أو أكثر كما قيل، أما الدراسات فهي بالمئات عند القدماء والمعاصرين. وعدد عبيدات من التجارب الشعرية المعاصرة التي تأثرت بشعر المتنبي ومنها تجربة محمود درويش الذي استهل ديوانه "هي أغنية هي أغنية" الصادر سنة 1986 بشطر من شعر المتنبي "على قلق كأن الريح تحتي". وعمر أبو ريشة في قصيدته (في وصف النسر) ونزار قباني في رثائه لزوجته. ورأى عبيدات أن هناك علاقة وطيدة بين التاريخ والأدب، فالأدب وثيقة تاريخية، مؤكدا أن أغلب القصائد التي تصدى لها في دراساته كانت تفرض عليه أن يعود إلى كتب التاريخ القديمة منها والجديدة ليعرف ظروف قولها، ومناسبتها. وذهب عبيدات إلى أن التراث ليس تركة جامدة ولكنه حياة متجددة، الماضي فيها لا يحيا إلا بالحاضر، وكل قصيدة لا تمتد بعمرها إلى المستقبل لا تستحق أن تكون قصيدة.