مدينة ترفيهية شعبية ترفض التقنية، ولا تجد الكهرباء في ساحتها التقليدية "الشعبية" طريقاً لها، وليس للحداثة فيها قسمٌ ولا نصيب، ولا تعرف الكهرباء لها طريقاً في ألعابها ومُحّرمةٌ عليها خمسين عاماً تقريباً، التي ظلت الصورة البارزة في ملامح مشهدها ذي "الموروث التاريخي الشعبي"، إنها "برحة أو ملاهي العيدروس" في المنطقة التاريخية بوسط جدة، التي يصنفها البعض بأنها من أقدم ملاهي المدينة. تعود تلك الملاهي إلى دهور "العيدروس" التي لم تفقد بريقها المضيء مطلقاً مع عصر وسائط الاتصالات السريعة ووسائط شبكات الإعلام الاجتماعي "الفيسبوك وتويتر"، بل أضحوا يتناقلون عبر "صفحاتهم وتغريداتهم التواصي بزيارتها". العيدروس رغم شعبيتها وأهازيجها التقليدية التي تمارس مع ألعابها الحديدية – التي تصنع في مصانع محلية خاصة- تزاحم كبار الملاهي الترفيهية المنتشرة على محيط كورنيش جدة أو حتى الملاهي متوسطة المستوى في جنوب العروس، خاصة في الأيام الثلاثة الأولى من عيد الفطر. وتتصدر "باحة العيدروس" أجندة أولويات الأماكن الترفيهية للأسر في جدة، حيث يقصدها الأهالي من بعد صلاة العيد مباشرة مع أطفالهم للتمتع ب"الأجواء التراثية والشعبية" التي تفتقدها بعض ملامح المدينة بشكل عام في العيد. ووفقاً لبعض المصادر فإن سبب تسمية "برحة العيدروس" التي تقع إلى الجهة الغربية من مدارس الفلاح بالمنطقة التاريخية في محافظة جدة طبقا للروايات أن العيدروس كان في الأصل شارعا طويلا ويقال إن أحد الوجهاء واسمه العيدروس كان يسكنه في السابق وحمل اسمه، وكانت الألعاب تنتشر على طول الشارع إلا أن زيادة ازدحام الناس خلال السنوات الماضية وامتلاء الشارع بالمحال التجارية تسببا في اقتصار الألعاب على البرحة فقط. الداخل للباحة الرئيسية للملاهي عليه أن يطرق سمعه "طرباً" للأهازيج الشعبية التي تصاحب حركة العمال لدفة الألعاب الحديدية، التي يرددها الأطفال أثناء لعبهم خاصة الأهزوجة المشهورة لأهالي المدينة: "يا حلاوة العيد يا حلاوة العيد يا حلاوة.. من مال جديد يا حلاوة.. أشكال وألوان يا حلاوة.. جاكم العيد يا حبايب". ذلك المكان التاريخي والأهازيج الشعبية جلبت سكان المدينة من أقصى الشمال تعبيراً عن عشق المكان. عبدالرحمن الصالحي الذي هجر منطقة البلد مع والديه قبل عقدين من الزمان إلى حي المحمدية القريب من الحدود الشمالية لمطار الملك عبدالعزيز الدولي، لا يزال وفقاً لحديثه إلى "الوطن" يداوم على ما أسماها سنة إحياء العيد في العيدروس يومياً بدءا من بعد صلاة عيد الفطر وحتى رابع أيامه، إلا أنه يقول: "هذا العيد يبدو مختلفاً فقد أتيت بابني البكر ذي السنوات الثلاث، ليكون معي هذه المرة بعيداً عن الألعاب الترفيهية في المولات التجارية أو حتى الملاهي الأخرى"، مضيفاً أن جمال وعراقة هذه الملاهي يزيد ارتباطها بالمنطقة التاريخية القديمة في مدينة جدة ضمن تراث عمراني لا يزال يحتفظ بنكهته القديمة من حيث أشكال البناء والأزقة الضيقة والأرصفة ذات الطراز القديم. هنا في "العيدروس" يمكن القول إنه مجمع "ترفيهي متكامل" ربما لا تجده في غيره من أماكن الترفيه في جدة، وهو ما يعطيها تميزا خاصا عن بقية المجمعات الترفيهية الخاصة، من ركوب الخيل والجمال والدراجات النارية الصغيرة ذات العجلات الأربع التي تجد لها جمهورها بشكل كبير. تلك الملاهي الشعبية أضحت متنفساً مهماً لذوي الدخل المحدود الذين تثقل كاهلهم الأسعار المرتفعة للملاهي الإلكترونية والحديثة، ويشير محمد عبود باحشوان وهو من ساكني حي الكندرة إلى أنه يأتي "بمعية أبنائه للعيدروس باستمرار طوال الأيام الستة من عيد شوال وبتكلفة مالية لا تثقل ميزانية الأسرة المحلية، التي ربما تكون ربع ما سنصرفه لو ذهبنا إلى ملاهي الترفيه الحديثة"، ليقول بعدها: "باختصار الأسعار هنا رمزية". العيدروس "ملاهي مفتوحة" منذ الصباح الباكر حتى ما بعد منتصف الليل في حركة دؤوبة تشهد كثافة في ساعات المساء الأولى، ومن أشهر ألعابها المراجيح والشقلبة، إضافة إلى تلك الحركة التجارية النشطة لبائعي الأكلات والحلويات الحجازية التقليدية تتصدرها "البليلة" و"غزل البنات". تشير التدوينات التاريخية التي أشارت إليها سابقاً وكالة الأنباء السعودية أن عائلة غراب هي من العائلات القديمة التي اشتهرت بتركيب المراجيح التقليدية في البرحة، وكانت باحة العيدروس تشهد سباقاً للخيول والرقصات الشعبية والفنون التي تجمع بين الرقص والغناء ودق الطبول إضافة إلى بعض الألعاب الشعبية التي مازالت باقية حتى اليوم.