لسنوات طويلة ظل الصوفيون في مصر يرفعون شعار "من أراد السياسة، فليخلع شارة المتصوفة"، وذلك في إشارة إلى رغبة الصوفيين في الابتعاد عن نيران السياسة ولهيبها. لكن تصاعد قوة الحركات الدينية ومنها جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين دفع بالطرق الصوفية "للدخول على خط السياسة في انتظار جنة الحكم الموعودة". ويقول مصطفى زايد، سكرتير الطريقة الرفاعية ومؤسس ائتلاف الصوفيين المصريين، إن "المتصوفة في مصر يحتاجون إلى مواجهة الأوضاع المتردية داخل الطرق، ومن هنا جاء تأسيس الائتلاف الذي يجسد نواة ثورة الشباب الصوفية على تلك الأوضاع، كما يمثل رداً على استهداف الطرق الصوفية من قبل التنظيمات الإسلامية الأخرى". وأضاف أن "السبب وراء فكرة إنشاء الائتلاف عدم قدرة مشايخ الطرق على الذود عن الدعوة الصوفية أو صد الهجمات على الأضرحة على مدار السنين الماضية، أما السبب الآخر فهو إصلاح الطرق الصوفية من الداخل". لم يكن ما قاله زايد الدليل الوحيد على تصاعد دور الطرق الصوفية في مصر في مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير، فإلى جوار "ائتلاف الصوفيين المصريين"، شهدت مرحلة ما بعد الثورة أيضاً تصاعد دور "جبهة الإصلاح الصوفي"، وهي الجبهة التي كانت تكونت من قبل بعض المشايخ رداً على قيام السلطة السياسية في عهد الرئيس السابق حسني مبارك بكسر الأعراف والتقاليد والقواعد المرعية في اختيار شيخ مشايخ الطرق عبر الانحياز إلى شيخ طريقة حديثة، وهو عبدالهادي القصبي، الذي كان عضوا في "الحزب الوطني الديموقراطي" الحاكم، ليكون شيخا للمشايخ، وذلك في إطار خطة النظام للاستيلاء على كل مؤسسات الدولة في سياق تجهيز المسرح السياسي لتوريث الحكم لجمال مبارك. وقد جرت العادة على أن يتولى الأكبر سنا من بين أعضاء المجلس الأعلى للطرق الصوفية المنتخبين من مشايخ الطرق منصب شيخ المشايخ. ومما ساعد على تصاعد دور "جبهة الإصلاح الصوفي" تصاعد نفوذ التيار السلفي في مصر الذي أظهر قوته عندما دعا إلى مليونية توحيد الصف في 29 يوليو الماضي، والتي شهدت تواجداً كبيراً ولافتاً للمنتمين إلى التيار السلفي، كما أطلت الخلافات والتوترات القديمة بين السلفيين والصوفيين برأسها، وتحولت إلى مخاوف وهواجس كبيرة من جانب التيارات الصوفية من تولي السلفيين أو الإخوان المسلمين مقاليد الحكم في البلاد، خاصة بعد إقدامهم على تكوين أحزاب سياسية. إضافة إلى الاتهامات التي وجهها المتصوفة إلى الجماعات السلفية بأنها وراء الهجوم على بعض أضرحة الأولياء ومنها الهجوم الذي تعرض له ضريح الشيخ زويد مرتين في شمال سيناء. مخاوف المتصوفة من سيطرة القوى الإسلامية الأخرى على الساحة السياسية والمجال العام في مصر في أعقاب ثورة 25 يناير ظهر في أكثر من موضع، أولها سعيهم إلى تأسيس حزب سياسي أطلقوا عليه اسم "حزب التحرير المصري" والذي بدأ في ركاب الطريقة العزمية. ويرى إبراهيم زهران، أحد قيادات الحزب أن "التحرك السياسي الواضح من جانب الصوفيين يمثل خروجاً عن مسلك الصوفيين المصريين الذين مالوا للإذعان لإرادة القادة السياسيين منذ زمن طويل، والأمر الآن يحتاج إلى أن يكون هناك دور سياسي للمتصوفة في الفترة المقبلة". ويؤكد شيخ الطريقة العزمية علاء أبو العزايم هذا التصور، حيث يقول بشكل أكثر وضوحا إن "مساعي جماعة الإخوان والجماعات السلفية للانخراط في العمل السياسي الرسمي تهدد التسامح الديني، وتلزم الصوفيين بأن ينحوا نفس المنحى، في حال تقلد السلفيون أو الإخوان زمام الحكم قد يلغون المشيخة الصوفية"، مشيرا إلى أنه "ينبغي أن يكون هناك حزب للصوفيين لهذا السبب". يذكر أن قطاعاً من المتصوفة شارك في ثورة 25 يناير كغيره من جموع الشعب، وكان بعض شبابهم يعتصم بميدان التحرير مع أقرانهم، لكنهم لم يظهروا بالقدر نفسه الذي ظهر به شباب جماعة الإخوان أو السلفيين، بسبب قلة خبرة المتصوفة في ممارسة السياسة. وكانت مصر قد شهدت اختلافات لا حصر لها بين الصوفية والإخوان، وإن كان أشهر ما حدث في عام 1965 عندما وقع الصدام بين النظام الناصري والإخوان حيث وقفت الطرق الصوفية إلى جانب عبدالناصر وأصدر الشيخ محمد محمود علوان، شيخ مشايخ الطرق الصوفية آنذاك بياناً في مولد الرفاعي، أعلن فيه أن رسالة الصوفية هي الدعوة للأمن والسلام ومحاربة أساليب العنف والإرهاب بصورة دفعت الإخوان إلى توجيه سهام اتهاماتهم إلى الصوفية بأن النظام استخدمهم كوسيلة دعائية وركيزة شعبية لتحقيق أهدافه السياسية.