عندما صعد الرئيس اللواء محمد نجيب، أول رئيس مصري، إلى يخت المحروسة لتوديع الملك فاروق الوداع الأخير، قال له فاروق "حكم مصر ليس سهلا، مصر بلد من الصعب أن تحكمه". لم يكن ما قاله فاروق ببعيد عن مشاهد رحيل جميع رؤساء مصر على مدى العقود العشرة الماضية، وكلها مشاهد ارتبطت في أذهان المصريين بلقطات تلفزيونية خلدت فصل النهاية لحكام مصر فيما يمكن وصفه ب"دراما الواقع"، وهي المشاهد التي عادت لتفرض نفسها أمس على أذهان الملايين ممن تابعوا على الهواء مباشرة محاكمة الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك من داخل قفص المحاكمة في أكاديمية الشرطة. وهي المشاهد الحية التي وضعت حداً لتشكيك البعض في إمكان مثول مبارك أمام المحاكمة، حتى ذهب البعض بشكوكه إلى الزعم بأن "الأحداث الدامية التي شهدتها مدينة العريش مؤخرا كانت جزءا من سيناريو وضعه المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بوصفه القائم على حكم مصر الآن، للتأكيد على صعوبة محاكمة مبارك في ظل الظروف الأمنية التي تعيشها مصر". وهو الزعم الذي فنده ظهور مبارك "بشحمه ولحمه" على شاشة التلفزيون في مشهد درامي سيبقى خالدا وللأبد في أذهان المصريين ورؤسائهم القادمين. ظهر مبارك مرتديا ملابس السجن الاحتياطي البيضاء داخل قفص حديدي وهو يرقد فوق سرير طبي بينما يقف إلى جواره نجلاه علاء وجمال وهما يرتديان أيضا ملابس السجن الاحتياطي بتهم تتعلق بالقتل العمد للمتظاهرين أثناء ثورة 25 يناير، وتحول القفص الحديدي الذي صمم داخل قاعة في أكاديمية الشرطة بالتجمع الخامس، إلى خشبة مسرح كبير شهدت أول ظهور علني لمبارك منذ تخليه عن منصبه في 11 فبراير الماضي. مشاهد المحاكمة وبثها على شاشات التلفزيون المصري التي تكاد تكون أخلت الشوارع الكبرى في مصر من المارة بسبب متابعتهم لها، لم تكن أولى المشاهد التي ارتبطت بحكام مصر والتي يمكن أن تدخل فيما يعرف ب"دراما الواقع"، فكثيرا ما تعلقت عيون وعقول وقلوب المصريين بمشاهد حية كان الرئيس السابق بطلها الوحيد، وكان أهم تلك المشاهد، حتى ظهور لقطات الأمس، مشهد مبارك وهو يجلس إلى جوار الرئيس الراحل أنور السادات في المنصة قبل لحظات من اغتيال السادات على يد "تنظيم الجهاد"، وكذلك تلك اللحظات التي تبعت حادث المنصة والتي رصدت محاولات إخراجه، هو والمشير الراحل عبدالحليم أبو غزالة بعيدا عن المنصة. فاروق ويخت المحروسة على الرغم من حالة اللغط التي صاحبت وفاة فاروق ودفنه، إلا أن المشهد الأكثر تعلقا بأذهان المصريين كانت تلك اللحظة التي خرج فيها فاروق مرتدياً ملابس البحرية قبل أن يصعد إلى يخت المحروسة في رحلته الأخيرة إلى خارج مصر. ففي السادس والعشرين من يوليو 1952 غادر الملك فاروق قصر رأس التين بالإسكندرية على ظهر اليخت الملكي المحروسة بقيادة جلال علوبة، وكان في وداعه علي ماهر باشا والسفير الأميركي كافري ووالدة الملكة ناريمان أصيلة صادق وأخواته الأميرة فوزية والأميرة فايزة، واللواء محمد نجيب وأعضاء حركة الضباط الأحرار، وأطلقت المدفعية 21 طلقة لتحيته. وهي المشاهد التي ما زالت تعرض على شاشات التلفزيون المصري. ويحكي الرئيس الراحل محمد نجيب قصة لقائه بالملك فاروق في مذكراته التي تحمل عنوان "كنت رئيسا لمصر"، مشيرا إلى أنه وصل متأخرا بسبب الازدحام ومعه أحمد شوقي وجمال سالم وحسين الشافعي وإسماعيل فريد ولحقوا بالمحروسة في عرض البحر. ويضيف نجيب قائلا "خلال اللقاء لاحظ الملك فاروق أن جمال سالم يحمل عصاة تحت إبطه فأمره قائلا: انزل عصاك أنت في حضرة ملك، مشيرا إلى ابنه الرضيع الملك أحمد فؤاد الثاني، ولقد اعتذرت عن تصرف جمال سالم". جنازة عبدالناصر أما الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، فنجح في الاستفادة إلى حد كبير بظهور التلفزيون الذي جسد كثيرا من مواقفه الشهيرة أهمها لحظة إعلانه تأميم قناة السويس، وفي خطاب التنحي الشهير بعد نكسة 1967، وما تبعه من مظاهرات 9 و10 يونيو 1967، التي شارك فيها الملايين من الشعب المصري والعربي بصورة تلقائية، رافضين استقالة ناصر عقب الهزيمة العسكرية. لكن المشهد التلفزيوني الأكثر تعلقا في ذاكرة الشعب المصري كان مشهد المظاهرات الشعبية التلقائية التي خرجت إلى الشوارع للمرة الثانية، واحتشد أكثر من عشرة ملايين من المصريين في شوارع القاهرة، يضاف إليهم ملايين من العرب عقب وفاته يبكون رحيل ناصر. ووصفت صحيفة الجارديان البريطانية جنازة الرئيس جمال عبدالناصر بأنها "الجنازة الرسمية المذهلة والأكثر إثارة في العصر الحديث". حادث المنصة بلغت دراما الواقع في حياة حكام مصر ذروتها في "حادث المنصة" الذي جسد بالصوت والصورة اللحظات الأخيرة في حياة الرئيس الراحل أنور السادات، وهي الدراما التي عاودت صعودها في مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير من خلال البلاغ الذي تقدمت به رقية، ابنة الرئيس السادات، التي اتهمت فيه مبارك بالتورط في قتل والدها، مشيرة إلى أن "خالد الإسلامبولي، قاتل والدها، لم ينفذ فيه حكم الإعدام". وهو ما نفاه شقيقها جمال السادات قائلا "ما أثير عن عدم تنفيذ حكم الإعدام في خالد الإسلامبولي كلام عار عن الصحة لأن هناك أحد الضباط المقربين أكد لي ولوالدتي (جيهان السادات) أنه كان ممن حضروا تنفيذ الحكم، كما أبلغنا رسميا بذلك".