ليس من السهل أن يجمع ما قيل في رثاء غازي القصيبي بين دفتي كتاب، هذا ما يؤكده الأمين العام لمجلس الوزراء عبدالرحمن السدحان في مقدمته للكتاب الذي أشرف عليه "غازي القصيبي.. الغائب الحاضر في ذاكرة القلم"، وحوى مختارات مما كتب في رثائه نثرا وشعرا. جاءت فكرة الكتاب كما يقول السدحان من خلال ابن عم الفقيد وزير الاقتصاد والتخطيط خالد القصيبي الذي باح للسدحان برغبته في إصدار كتاب يجمع ما قيل في رثاء غازي نثرا وشعرا. السدحان أبدى سعادته بأن وجد من يشاطره هاجس إصدار كتاب كهذا، ويعزو تلك الرغبة إلى أمرين: أنها مترعة بالوفاء لرجل عاش حياة مشحونة بالصعاب حبا لوطنه ووفاء، ولأن المبادرة كانت تراوده في الوقت ذاته أيضا. بدأ السدحان مقدمته بالتأكيد على أن القصيبي "استثناء" عبر ما عرف عنه وبه من صفات وقدرات وسيرة حياة. ومضى في حديثه عن القصيبي ساردا أهم مراحله التعليمية والعملية المتمثلة في مهامه الوزارية، وتوليه "المشرّف" لسفارتي الوطن في المنامة ولندن، معرجا على اللقاءات الأولى التي جمعته بغازي في أميركا أيام الدراسة، وعرى الود التي توثقت بينهما في تلك الفترة وبعدها. وكما هم محبو غازي والمقربون منه، لا يخلو حديثهم عنه من ذكر مواقفه الطريفة ومداعباته المازحة لهم، ومن ضمن تلك المواقف التي يحكيها السدحان "حين اختاره غازي ليكون أمينا لصندوق فرع جمعية الطلاب السعوديين والعرب في جامعة جنوب كاليفورنيا، الذي لم يكن له مورد مالي سوى ما تدرّه رسوم العضوية من الطلاب وبعض التبرعات إن وجدت". يواصل السدحان الحديث عن تلك المهمة وما كان يتعرض له من مواقف محرجة حينا، وطريفة حينا آخر، لأن بعض الطلاب كانوا يماطلون في الدفع، ما جعله بالنسبة إلى بعضهم أشبه ب "جلاد" الضرائب، هذه الأمور دعت القصيبي رحمه الله حينما رأي السدحان مرتديا ربطة عنق في إحدى حفلات الجمعية لأن يشير إلى هذه الربطة "الأنيقة" مداعبا بالقول "من أين لك هذا يا عبدالرحمن؟، عسى ألا تكون استثمرت أموال الجمعية؟" لتضج بعض أرجاء القاعة بالهتاف "نعم نعم.. فعلها عبدالرحمن" الأمر الذي أثار ضحكات الجميع حينها. وحول آلية ترشيح المقالات والقصائد التي شملها الكتاب الصادر عن مكتبة العبيكان، يؤكد السدحان أنه لمّا حُصِر ما قيل في تأبين الفقيد، وتعذر نشره مجتمعا، كان لا بد من إخضاعه لآلية فرز دقيق لاختبار المواد، وذلك بالنظر لمستوى التميز في كتابة النص، والتنوع في تناول جوانب متعددة من سيرة الفقيد بما يعكس الثراء المعرفي والفكري والإبداعي والتجريبي في شخصيته. الكتاب حوى 463 صفحة، وضم أكثر من 100 مقال، و6 قصائد.