من الفنون الأدبية التي عشقها العرب فأجادوها واشتهروا بها، فن الرثاء نثرا وشعرا، أما لم حدث ذلك وكيف؟ فلا تسألوني وليست مهمتي اليوم البحث في هذا الشأن. إلا أن الرثاء يسهل متى كان المرثي ذا شأن، ويضحي شاقا ومستعصيا متى لم يكن في حياته زاد يذكر. وأذكر في ما يشبه هذا، أن أحد أدباء العرب القدامى اشتكى من صعوبة رثاء النساء وذكر محاسنهن، فهو يرى أن كل ما يمدح به الرجال لا يصلح لأن تمدح به النساء، فالرجال يمدحون بالجود والكرم والبذل، والمرأة لا يحسن أن تمدح بذلك، والرجال يمدحون بالشجاعة والإقدام، والمرأة لا يليق بها سوى التخوف والتردد، والرجال يذكرون بالعقل والحكمة، ولا يجمل أن تذكر النساء إلا بالعاطفة وغلبة الدمع، لذلك فإن من أراد رثاء إمرأة يحار في شأنها وينعقد لسانه. غازي القصيبي رحمه الله، أراح راثيه من العناء والمشقة، فحياته الثرية الخصبة بالعطاء والمحبة في مناح متعددة. جعلت كتابة رثاء فيه أمرا سهلا، لذلك إثر وفاته تداعت الأقلام تتبارى في نسج عبارات التخليد لراحل أحبه كثيرون وأجزعهم فقده. الرثاء لا يعني بكاء الميت، ولا يعني أيضا مجرد ذكر محاسنه، وإنما هو إحياء لذكرى لا يراد لها أن تغيب، ومن كان مثل القصيبي في التأثير والإثراء لمجتمعه في الحياة الثقافية أو العامة على السواء، لا يمكن لذكراه أن تغيب. من أصدقاء القصيبي الخلص معالي الأستاذ عبدالرحمن السدحان، الذي حين جاشت به عاطفته تجاه الصديق الغائب، أراد أن يعبر عن ذلك بعمل يخلد حقيقة حب الكثيرين للقصيبي ويبرز مكانته في قلوبهم، وشجعه على ذلك معالي الأستاذ خالد القصيبي ابن عم الفقيد الذي كان هو أيضا تراوده الرغبة نفسها، فعمد إلى جمع كثير مما كتب في رثاء القصيبي رحمه الله نثرا وشعرا، وأظهره للناس في كتاب أنيق يحمل عنوان (غازي القصيبي، الحاضر الغائب في ذاكرة القلم) وقدم له بمقدمة فيها شيء من سيرة حياة القصيبي، الحاضر الغائب في ذاكرة القلم). وقدم له بمقدمة فيها شيء من سيرة حياة القصيبي، وشيء من ذكرياته معه. وهو يعترف أن ما ورد في الكتاب لا يمثل كل ما قيل عن القصيبي، فما كتب عنه كثير، لكن ضرورة الاحتفاظ بحجم محدد للكتاب اقتضت الانتقاء مما كتب وفقا لمعايير معينة كان أبرزها تنوع الجوانب المذكورة عنه، لتعكس جميع صنوف المجالات التي عرف بها الفقيد واتسمت بها شخصيته. صفحات الكتاب التي تتجاوز أربعمائة صفحة، ضمت إليها دفق عواطف عدد كبير من الرموز اللامعة تجاه علم من خيرة أعلام الوطن، عاش مجيدا ومضى مجيدا مودعا بكثير من الحب والاعتزاز.. رحم الله غازي القصيبي وأسكنه فسيح الجنان، وتحية امتنان وتقدير لمعالي الأستاذ عبدالرحمن السدحان على ما بذله من جهد في جمع محتوى الكتاب والإشراف على إصداره. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة