تعيش الشخصيات الروائية مع بعضها البعض، وفق بنى اجتماعية وواقع اجتماعي متخيل حدده الروائي من قبل، لنعيش - نحن القراء - واقعها التخيلي من خلال أفعالها وأقوالها، ومن خلال مواقفها التي تتقاطع في النص الروائي. ولأن الشخصية الروائية جزء من النسيج الروائي فإنها تتأثر برؤية المؤلف التي يرمي من ورائها إلى تقديم رؤيته للعالم الذي نعيشه. فهي تجسد أنماطا موجودة بالفعل في المجتمع، لكنها من خلال التوافق والتخالف الذي نقرأه في النص الروائي تبدأ في التشكل التدريجي في ذهن القارئ، حتى يحسّ بأنها صور متخيلة عن العالم الذي نعيشه أو نعرفه في حياتنا العامة، وكلما تقدمنا في قراءة النص الروائي ازدادت معرفتنا بتلك الشخصيات، وازدادت علاقتنا الشخصية والعاطفية معها، فقد يكره القارئ شخصية ويتمنى لها الفشل في حياتها، وقد يحدث العكس فينجذب إلى شخصية أخرى، فيحزن لحزنها، ويفرح لفرحها، وكأنّ صلةً حقيقية تربطه بها في الحياة المعاشة. تنسج رواية "عيون الثعالب" لليلى الأحيدب، أحداثها عن بداية فترة الحداثة في المملكة، دون أن تشير إلى ذلك بقرينة من القرائن، ما عدا ما واكب تلك المرحلة من مواجهات كثيرة وقوية مع التيارات المتحفظة، مثل صدور الأشرطة الإسلامية المجابهة لها "كان الشريط الذي أحضره عمي يتحدث عن الهدم الفكري الذي يمارسه الإعلام"، مشيرا إلى موجة الحداثة ومستعرضا أسماء صريحة لكتاب وكاتبات" ص (73). وكانت "مريم" هي الشخصية المحورية "السارد" كاتبة قصصية، تدرس في الجامعة، واجهها عمُّها بالإنكار حينما وجد اسمها في إحدى الصحف وقد كتبت موضوعا على شاكلة نصوص الحداثيين. وكانت معجبة بناقد كبير اسمه "علي"، وتعيش علاقة حبٍ بشخص اسمه "يوسف"، وعلاقة صداقة مع "مشعل". اجتهدت "مريم" في التعرف على "علي"، وحصل لها ذلك، وبدأت في علاقتها معه، حتى أدخلها وسطه الثقافي، وانجرفت معه في حالة من الإعجاب العميق، واحتالت لتقترن به، بحيث تضبطهما "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في شقة "علي"، ما اضطره للزواج منها، فتخلت عائلتها عنها وقاطعتها، فعاشت معه رغم رغبته في حياة حرة بعيدة عن رابط الزوجية، موليا العلاقات غير الشرعية اهتمامه، من خلال الوسط الثقافي نفسه. ورغم حرصه على ألا تنجب له أطفالا، إلا أنها احتالت أيضا لتحمل منه رغم احتياطاته المتعددة في عدم حدوث الحمل.