منذ أسابيع قليلة، شاهد العالم أجمع مدى تأثير اللوبي الإسرائيلي في الولاياتالمتحدة. في البداية ألقى الرئيس الأميركي باراك أوباما كلمة حول السياسة الأميركية في الشرق الأوسط حاول فيها أن يظهر أميركا كمؤيدة ل"الربيع العربي" وكرراعتقاده بأن حل الدولتين هو الأمثل من أجل حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. في اليوم التالي، التقى أوباما مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي رفض عدداً من مفاهيم أوباما وأعطاه محاضرة حول ما تتوقعه إسرائيل من أميركا. بعد ذلك فسَّر أوباما تصريحاته السابقة أمام مؤتمر "أيباك" بما يتناسب وما تريده إسرائيل، لكنه لم يقدِّم أي فكرة حول طريقة تحقيق رؤيته للسلام في الشرق الأوسط. وفي الكونجرس، لقي رئيس الوزراء الإسرائيلي استقبالاً حافلاً وقاطع أعضاء الكونجرس خطابه المتشدد بالتصفيق والوقوف 29 مرة، حيث أعلن نتنياهو صراحة أن رؤيته للدولة الفلسطينية في إطار حل الدولتين هي مجرد "كانتونات" متفرقة وغير متصلة تقع تحت النفوذ الإسرائيلي بشكل كامل تقريباً. وقد جعل هذا الموقف في الكونجرس الكثيرين يشعرون بالقلق حول مدى تمثيل الكونجرس للموقف الشعبي الأميركي من "العلاقة الخاصة" التي تربط الولاياتالمتحدة بإسرائيل. وقد نشرت مجلة (فورين بوليسي) الأميركية في يونيو الحالي تقريراً للكاتب ستيفن والت حول هذا الموضوع قال فيه إن هناك ثلاث مشاكل كبيرة على الأقل تناقض التأكيد بأن موقف الكونجرس يعكس بالفعل الموقف الشعبي الأميركي. أولاً، حتى لو كان صحيحاً أن غالبية الأميركيين يتعاطفون مع إسرائيل، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أن على السياسة الأميركية أن تتبع ذلك. كثيراً ما يفعل المسؤولون الأميركيون أموراً يعارضها أغلبية الأميركيين، إذا كان المسؤولون يعتقدون أن المصالح الأميركية تتطلب ذلك، مثل الحرب في أفغانستان والإصلاحات في مجال الرعاية الصحية. ثانياً، الصورة الإيجابية التي لدى الشعب الأميركي عن إسرائيل هي أساساً نتيجة جهود اللوبي الإسرائيلي لتشكيل الخطاب الشعبي واستبعاد التعليقات السلبية. ومع أن اللوبي لا يسيطر على الإعلام الأميركي بشكل مباشر، إلا أن جماعات مؤيدة لإسرائيل تنشط للتأثير على الطريقة التي يتم بها تصوير إسرائيل في الولاياتالمتحدة. ولو أن الأميركيين اطلعوا على خطاب أكثر انفتاحاً فإن صورة إسرائيل سوف تتأثر بالتأكيد. ثالثاً، وهو الأهم، تشير الأدلة إلى أن الشعب الأميركي لا يؤيد "علاقة خاصة" من طرف واحد حيث تحصل إسرائيل على الدعم الأميركي غير المشروط مهما فعلت. مع أن الأميركيين لديهم بشكل عام صورة إيجابية عن إسرائيل ويريدون أن تساعدها الولاياتالمتحدة على البقاء والازدهار، إلا أنهم لا يريدون السياسيين الأميركيين أن يؤيدوها إلى النهاية أو أن يظهر الكونجرس درجة من التملق كالتي أظهرها الكونجرس مؤخراً خلال خطاب نتنياهو. يرى كثير من الأميركيين أن التأييد أحادي الجانب لإسرائيل يُشكِّل مشكلة بالنسبة للولايات المتحدة. وجد استطلاع للرأي أجرته مؤسسة (بيو) الشهيرة عام 2005 أن 39% من الأميركيين يرون أن العلاقة الخاصة تمثل مصدراً رئيساً للاستياء العالمي. كما رأى 78% من الإعلام الإخباري، و72% من القادة العسكريين، و69% من المختصين بالشؤون الخارجية أن دعم إسرائيل يضر صورة أميركا حول العالم. من ناحية أخرى، كشف استطلاع للرأي أجرته جامعة ميريلاند أن أكثر من 60% من الأميركيين مستعدون لقبول وقف المساعدات إلى إسرائيل، إذا رفضت أن تحل الصراع مع الفلسطينيين، وعبَّر 73% عن قناعتهم بأن الولاياتالمتحدة يجب ألا تتحيز مع طرف ضد طرف آخر. وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة بروكينجز عام 2010 النتيجة نفسها. غني عن القول إن مثل هذه الأرقام لا تتماشى مع الحماس المُبالغ فيه الذي أظهره الكونجرس لنتنياهو، أو مع النهج الخجول لإدارة أوباما مع القضية كلها. لكن سلوك الفرعين التشريعي والتنفيذي في الولاياتالمتحدة يتماشى تماماً مع سياسات جماعات المصالح في أميركا. ففي بلد تكلف فيه الحملات الانتخابية مبالغ طائلة، تستطيع حتى الجماعات الصغيرة أن تلعب دوراً أساسياً إذا كانت مساهمتها في الحملات الانتخابية هامة. في انتخابات عام 2010 مثلاً، دفعت الجماعات المؤيدة لإسرائيل حوالي 3 ملايين دولار لمرشحين من كلا الحزبين الديموقراطي والجمهوري، مقابل أقل من 50 ألف دولار دفعتها الجماعات المؤيدة للقضايا العربية. بإمكان المرء أن يشتري الكثير من التصفيق إذا كان توازن المدفوعات بهذا الشكل.