طبع الحزن خميسية الجاسر أمس، وحلقت في أجواء المكان ذكريات الأسى الذي أحاط بالشاعر الراحل محمد الثبيتي في حياته وحتى مماته. بنبرة دامعة، قال الناقد الدكتور سعيد السريحي: إنه ظلّ معزولا في مكة، تطارده إدارة التعليم، حيث كان يعمل بالنفي إلى كرسي متوارٍ في ركن المكتبة وكأنما هي تحمي طلابها منه وتحمي نفسها وسمعتها من شعره، ويلاحقه المحتسبون بجريرة ما يؤولونه من قوله وما يحملونه من وزر لازم القول، حتى جاز له أن يتمثّل ذات وجع بقول الشاعر: مثلي على طرقات مكةَ .. أستجير ولا أجار سيان صوتي والصدى .. سيان قومي والتتار واستطرد السريحي: "أنّى له أن يجار في حقبةٍ كان حب المرء فيها أن يكون ممن يؤثرون الصمت ليعدّ بذلك ولذلك من خيار القوم حتى إن كان صمته من باب السكوت عن الحق". واصفا الثبيتي بأنه "حمل لواء الشعر السعودي الحديث". وكانت خميسية الجاسر قد أقامت صباح أمس بحي الورود بالرياض ندوة بعنوان "الشاعر محمد الثبيتي" شارك فيها إلى جانب السريحي، الشاعر عبدالله الصيخان، وأدارها الدكتور محمد العدواني. وقال السريحي: "سيشهد التاريخ على فضيحة أن الفتى المكي الذي كان صوته يعلو منابر المربد وجرش عاش أربعين عاما من الشعر في مكة ولم يدعَ ليلة واحدة إلى منبر ناديها الذي لم يكن يبخل بدعواته على الشعراء وأنصاف الشعراء وأشباه الشعراء". وبدأ الشاعر عبدالله الصيخان ورقته التي تحدث فيها عن تجربة الشاعر الثبيتي، وجوانب من سيرته الذاتية، وركّز على ما واجهه الثبيتي في بداياته من حرب وصفها بالشعواء، واستشهد بواقعة تعرض لها الشاعر في اليوم الذي كانوا يحتفون به عام 1989، حيث أعلن نادي جدة الأدبي الثقافي عن فوز ديوان التضاريس بجائزة النادي للإبداع، فقامت القيامة حينها والتهبت خطب الجمعة السابقة على يوم الاحتفاء وكأنما أصبح دمه قربانا يتقربون به إلى الله، واكتظ النادي ليلة التكريم بوجوه غريبة وتحركات مريبة اضطرّ معها النادي إلى إلغاء التكريم والاحتفاء وتم تهريب الثبيتي من بوابة خلفية، وحجبت الجائزة ولم تمنح للثبيتي، وأضاف الصيخان: حال حبُّ السلامة دون توزيع الديوان فحجب كذلك وسجّل النادي في تاريخه وصمة سوداء لا يغفرها له على ما قدمه لتجربة الحداثة من اهتمام. وداخل الدكتور مرزوق بن تنباك مثنيا على فقيد الأدب الشاعر الثبيتي وعلى ما جاء في المحاضرة حول "فن الرثاء والتأبين" الذي قدمه المشاركون المتمثل في ذكر محاسن الموتى وتقديم القرابين لهم تارة وعنهم تارة أخرى إلى خشية الأحياء وخوفهم من أن يعود إليهم موتاهم أشباحا وأرواحا تقضُ مضاجعهم وتؤرق مناماتهم وتنازعهم ما بقي لهم حياة وما خلفوه لهم من إرث، موضحا أن ذكر المحاسن والقرابين هدهدة يقصد بها أن تطمئن بها أرواح الموتى فتخلد إلى موت لا رجعة فيه أو منه.