الفضاء الإلكتروني الافتراضي مترامي الأطراف، يسمح بالتجول والهبوط لكل من يدخل مجراته المتنوعة، رابطا عابريه بشبكة عنكبوتية معقدة لكنها تسهل التواصل، وهو ما جعل الحكومات والشركات تتجه إلى التعاملات الإلكترونية للتسهيل وتسريع الإنجاز في زمن السرعة، لكن ما عكر صفو الفضاء وجود "عناكب" سامة وجدت شبكة جاهزة مدت خيوطها في كل بيت لتستغلها في الإساءة للغير وخصوصا المرأة، مخالفين بذلك تعاليم الدين، والقيم والأنظمة. حصانة المرأة البعض من مستخدمي الإنترنت شوهوا صورة المرأة بهدف التكسب بالمال وزيادة عدد الزيارات للموقع، دون احترام للحصانة التي منحها لها الدين الحنيف وخص بذلك سمعتها، حين وضع عقوبة رادعة لجريمة قذف المحصنات وتشويه سمعتهن، كما أن العادات والقيم المستمدة من ديننا، ظلت حارسة لسمعتها، محافظة على وقارها. والأذى يزداد حينما يصل الأمر إلى الابتزاز والتهديد، بعد أن يصل إلى بياناتها وصورها عن طريقها أو "التهكير" على جهازها، كما أن هناك مواقع قد تكشف بعض خصوصيات الفتيات وهو ما يوقعهن في مصيدة "عناكب" الإنترنت. تنظيم التقنية وحث وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز خوجة أجهزة الإعلام على أن تتناول القضية بشتى الطرق، مشددا على أهمية الحفاظ على "قدسية الفتاة السعودية" وعفتها وقال ل"الوطن": إنها من القضايا شديدة الخطورة التي تؤثر على مجتمعنا وعاداتنا الإسلامية. فيما بيّن مستشار وزارة الثقافة والإعلام والمشرف على التلفزيون السعودي عبدالرحمن الهزاع أن الوزارة بموجب مسؤوليتها عن النشر الإلكتروني تتولى جميع ما يصدر عن تلك المواقع داخل المملكة، وتعمل جاهدة على تنظيم ما يصدر ليتناسب مع تعاليم الدين والأنظمة بالمملكة، وقال "إننا نسعى إلى إيجاد علاقة قوية بيننا وبين التقنية التي تدخل كل بيت" واستدرك "التنظيم لا يهدف إلى الكبت أو تكميم الأفواه أو حبس الحريات، وإنما إلى إيجاد علاقة جيدة". وأضاف " إننا نود طرح النقد الهادف، ولا نريد أن ينشر ما يسيء لسمعة هذه البلاد، سواء كانت المرأة هي الهدف أو الأشخاص"، وأوضح أن الحجب سيكون بموجب نظام المطبوعات والنشر، وإذا قدمت شكاوى ضد أي مواقع فسوف تبحث حقيقتها لجنة من قبل الوزارة تضم مستشارا شرعيا وآخر قانونيا، مشيرا إلى أنه يتم الحجب الأول بعد بيان الخطأ، وتتراوح مدته من شهر إلى شهرين، فإذا تكرر الخطأ يتم رفع الموقع نهائيا، وحجبه. ابتزاز الفتيات إلى ذلك، حذر الرئيس الأسبق للاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات الدكتور سعد الزهري من الاستخدام السيئ للإنترنت، وغرف الدردشة، مشيرا إلى أن الفضاء الإلكتروني صار وجهةً لقضاء الأوقات، ولكنه مرتع لمرضى النفوس أيضا. وقال "الفتاة تدخل شبكة الإنترنت طواعية، ولا تخرج منها بذات النفس والبراءة والصفاء الذهني، بل مكسورة، لأنها دخلت عالما غير عالمها، فتحاول إقصاء من يحاول إبعادها عنه، وتتعمد البقاء منفردة، وحين تقع في المشاكل تتورط وتبحث عن حل فلا تجد". وأضاف "في مواقع الإنترنت توضع أشياء لابتزاز فتيات سعوديات، للحصول على المال أو تسهيل صداقة أو تعارف"، مشيرا إلى أن بعض ضعاف النفوس الولعين والمهووسين باسم المرأة السعودية يروجون لمواقع أنشؤوها لجمع المال من الأعضاء، حيث تفضل المجتمعات العربية الزواج من السعوديات بحثا عن العمل أو الإقامة في المملكة، في الوقت الذي أصبح فيه الفضاء الإلكتروني مجالا لقضاء أوقات الفراغ لكثير من الفتيات. وتساءل الدكتور الزهري: لماذا نخاف على بناتنا في هذا المجتمع الافتراضي؟. وقال "من الضروري أن نتعامل مع الأبناء والبنات بمستوى تربوي يناسب شخصية كل منهم، ولا ننزع الثقة منهم، وأن نتابعهم بحذر شديد لا يخدش حياءهم، ولا يجرح كبرياءهم، ولا ينزع الثقة منهم، فينتكسوا وينقلبوا رأسا على عقب". مؤكدا أن من الأخطاء التي تقع فيها الفتيات الارتباط بصداقة أو بعاطفة مع أشخاص " تؤدي إلى الندم في معظم الأحيان" وقال "من الخطأ ما تعتقده الفتاة بأنها في مأمن، في الوقت الذي يحفر لها "الذئب" إما بالتلصص على جهازها أو استغفالها لفتح الكاميرا أو إقناعها بإرسال الصور، الأمر الذي يجعلها رهينة له في قادم الأيام". وأشار الزهري إلى أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اكتسبت ثقة في هذا الإطار، ولكنه استدرك وقال: لكنها ليست كافية، وربما ليست مؤهلة بالقدر الكافي لمحاربة "الذئاب الإلكترونية"، وتابع "ما زلنا في حاجة ماسة إلى جمعية تتولى متابعة مثل هذه القضايا، وقد صدرت قوانين التجريم الإلكتروني التي يمكن الاستئناس بها في مثل هذه الحالات، لحين صدور أنظمة واضحة يمكن الاعتماد عليها في هذا الإطار". حماية الخصوصيات ويُرجِع أستاذ نظم المعلومات بكلية علوم الحاسب بجامعة الإمام محمد بن سعود، الدكتور صالح الزهراني ظهور عمليات ابتزاز الفتيات السعوديات، عبر مواقع الإنترنت ومواقع الزواج، إلى أسباب عدة منها: عدم مراقبة الأهل للأبناء بالصورة المطلوبة، وغياب الحوار والتفاعل بين الأسرة، وتأثير القنوات الفضائية والبرامج الإعلامية، وفقدان العاطفة، وعدم الإحساس بالعطف الأسري، والفراغ، وتأثير تأخر الزواج والبطالة، وإساءة استخدام الجوال وخدمات sms والإنترنت والبريد الإلكتروني، وتبادل الصور والمقاطع الإلكترونية عبر الشبكة، واستخدام وسائل أخرى مختلفة. ويطرح الدكتور الزهراني حلولا لهذه المشكلات واضعا على رأس هرمها: الاهتمام الأسري، وتقوية الوازع الديني، وإعادة هيكلة العلاقات الاجتماعية، وتوفير الاهتمام العائلي والرعاية الأسرية، والتوعية بأهمية التقنية وحسن استخدامها، وأضاف "حرمت الشريعة الإسلامية المساس بحريات الناس، والتعرض لخصوصياتهم وممتلكاتهم المادية والمعنوية، كما تحرم القوانين التعدي على حقوق الآخرين وابتزازهم". لافتا إلى أن المادة الثالثة من نظام مكافحة جرائم المعلومات بالمملكة تجرم "التنصت" والدخول غير المشروع وتهديد الآخرين من خلال الإنترنت، ويضيف أن المادة الرابعة من النظام تُجرّم استغلال الصور والمحادثات، والتهديد بنشر الصور والمعلومات على مواقع الإنترنت، مشددا على أن نظام جرائم المعلومات يعاقب مرتكبيها بالسجن لمدة 3 سنوات وغرامة لا تقل عن مليوني ريال، ولذلك لا يجوز الاستيلاء على مستند، أو اتخاذ اسم كاذب، أو انتحال صفة غير صحيحة. وقال "نحن بحاجة إلى دراسة علمية بواسطة فريق علمي مكون من أهل الاختصاص في القانون، التقنية، علم الاجتماع، علم النفس، علم الجريمة والشريعة، بحيث تعمل على وضع ضوابط للحد من هذه المشكلة، وسن الأحكام القضائية واللوائح المنظمة والموحدة على مستوى المملكة، وإيجاد طرق تحديد الجاني، وتتبع المخالف إلكترونيا وشرعيا وقانونيا، وتنظيم قوانين متفقة مع تقنية التبادل الإلكتروني، ومع القوانين والتشريعات، والنظام الاجتماعي بالمملكة. برامج سرية من جانبه، أكد مدير وصاحب موقع منتديات الغدير سلطان الذيابي تعدد أهداف الباحثين، قائلا "نجد باحثا ليقضي وقت فراغه، وآخر للتسلية يقابله باحث عن اللهو والدردشة، وآخر لاختراق الأجهزة أو سرقة المعلومات، وكذلك نجد باحثا عن علاقات عاطفية أو جنسية مع طرف آخر". كما حذر الذيابي من المغرضين من الشباب الذين يستخدمون برامج سرية تزرع في أجهزة الحاسوب دون أن يشعر بها الطرف الآخر للتلصص عليهم. وسرد الذيابي قصة شاب ابتز فتاة حديثة العهد بالإنترنت، بعد أن حصل على صورها مهددا إياها بالفضح فانساقت لرغباته، وأمدته ببعض المال، ثم أبلغت الهيئة التي راقبته، وقبضت عليه متلبسا بالجرم، لتكتشف أنها ليست الأولى، فقد خدع الكثيرات. ويضيف: في عالم الشباب والمراهقين الباحثين عن الأذى تتوفر "بروكسات" تفتح كل المواقع المحجوبة، وتجعلها متاحة برسوم، بالإضافة إلى برامج تفتح كاميرات "اللاب توب" لا يراها صاحب الجهاز، ويقوم المبتز من خلالها بتصوير ضحيته وابتزازها ماليا، وقد يبيع المقاطع لمواقع أخرى، وقد يسرق الشباب "كلمة السر" للبريد الإلكتروني، ويسحب كل الصور والمعلومات المخزنة، كما يتجول الهواة من" الهكر" في الجهاز، وقد يقوم البعض منهم بسرقة حفلات الزفاف والأعراس، أو صور الصديقات، موضحا أنه في حالات كثيرة تخشى الفتاة "المبتزة" تنفيذ الشخص تهديده بنشر الصور المسروقة، أو إيذاءها في مجتمعها، فتقوم بدفع المال الذي يرغبه منعا للفضيحة. باحثون عن اللذات وتصف مشرفة مجموعة مراسيل ميعاد المطيري شبكة "الإنترنت" بالنعمة على البشر، ووسيلة بناءة، إلا أن هناك من يسيء استخدامها. وتقول "لو اطلعنا على دوافع الفئات المستخدمة للإنترنت لوجدنا منهم من يبحث عن المعرفة، أو وسيلة للتسلية، أو يبحث عن منهج علمي، أو يجمع بحوثا علمية"، موضحة أن مستخدمي برامج التواصل أو برنامج المحادثات يختلفون في أهدافهم، ومن ثم ينتشر الباحثون عن اللذات بقوة لسهولة التواصل. دعارة إلكترونية يشدد المحكم الدولي والخبير الشرعي الدكتور أحمد العمري على أهمية دور أولياء الأمور في مراقبة الأطفال والشباب، وإيجاد نوع من المسؤولية داخلهم. ويقول "إن جلوس الفتاة أو الشاب أمام جهاز الكمبيوتر، بعيدا عن الطرف الآخر، يجعل كل طرف أكثر جرأة على الآخر، ويسهل لهما الخوض في النقاش الجنسي بسهولة أكثر، وهذا نوع من الدعارة يمكن أن نطلق عليه "دعارة إلكترونية"". ضحايا ضحايا "الابتزاز" ليسوا من الفتيات فقط، ولكنهم من الجنسين، صحيح أن الفتيات أكثر وقوعا في براثن المبتزين، ولكن هذا لا يمنع من وجود فتيات يسعين لابتزاز الشباب. تقول إعلامية في صحيفة محلية "تعرضت قبل عام لسرقة هاتفين محمولين، حين خضوعي لجلسة علاجية بأحد مراكز الأسنان الأهلية"، وأضافت "لم يكن ألم الضرس أصعب علي من خوفي من تسرب صور خاصة على الجهازين، وقد حاول السارق أن يبتزني لكن الجهات المسؤولة قبضت عليه، وقد كان هو الممرض في مركز الأسنان!". ويسرد أحد المتضررين من الابتزاز قائلا: الواقع يكون مظلما ومخيفا إذا اجتمعت السذاجة وحسن النية من طرف مع الخبث والمكر من الطرف الآخر". ويضيف "حاتم" العضو السابق بأحد منتديات النت بالمملكة أنه قرأ كثيرا عن ضحايا "الشات" والدردشة و"البال توك"، وقال "الرابط في كل القصص أن الأنثى هي الضحية، ولم أتخيل أن أكون الذكر بينهن"، واستطرد "لفت نظري موقع للزواج، فاشتركت لإكمال نصف ديني بعد أن أعياني وحرمني ارتفاع تكاليفه"، وأضاف "وقعت عيناي على طلب صاحبة القصة التي قلبت حياتي إلى ظلام"، وتابع "عرفتها ملاك.. ثم انقشع الغمام لأكتشف أنها وافدة تنتحل اسم سعودية، لها علاقات متعددة، واكتشفت ذلك بالصدفة حين تركت جهازها اللاب توب في أحد مقاهي النت، وقد كان مليئا بضحايا مثلي". أما "أم محمد" فتروي جانبا من قصتها مع غرف الدردشة قائلة: بعد أن أنجبت ابني الأول، أهملني زوجي و كنت أمكث ساعات طويلة لا أدري ماذا أفعل، وبدأت أدخل غرف "الشات" رغبة في التعرف على صديقات، وقتل وقت الفراغ، ووطدت علاقتي بإحداهن، وتجاذبنا أطراف الحديث، وطلبت منى جوالي فأعطيتها إياه. وتضيف "بعد فترة وجيزة اتصل على هاتفي رجل، فسألته: من أنت؟ فقال "أنا صديقتك "فلانة" في غرف الدردشة التي كنت تتواصلين معها" حينها أدركت أنه لا بد من إلغاء رقم محمولي وإيميلي لأنقذ نفسي وبيتي من هذا الذئب البشري". حجب 1800 رابط يوميا حديث الأرقام يكشف عن جانب مهم من حجم قضية محاولات تشويه سمعة المرأة وابتزازها، وهو ما يؤكده مدير عام العلاقات العامة والشؤون الدولية بهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات سلطان المالك حيث يقول "إن متوسط عدد المواقع التي يتم حجبها يوميا نحو 1800 موقع، معظمها خارجي، وهي تستهدف جميع الدول، وأغلب تلك الموقع إباحية، حيث تبلغ نسبة الروابط المحجوبة حوالي 94 مما يتم حجبه يوميا". ويوضح المالك أن عدد طلبات الجمهور لحجب أو رفع الحجب التي تم استلامها خلال الربع الثاني من السنة الحالية بعد حذف الطلبات المتكررة نحو 1190 طلبا في اليوم الواحد، مقابل نحو 660 طلبا في اليوم خلال نفس الفترة من العام الماضي بزيادة قدرها 80%. ويشير إلى أن عدد الروابط المحجوبة خلال النصف الأول من العام الحالي بلغ نحو 240 ألف رابط. حماية الأطفال في تعليقه على ظاهرة "التشويه الإلكتروني" للمرأة يعقد الدكتور حمزة التركي الخبير البريطاني في مجال تقنية المعلومات الذي زار المملكة مؤخرا مقارنة بين رؤية المجتمعات العربية والغربية لتلك القضية. قائلا "إن المجتمعات العربية المحافظة تعتبر نشر صور فتياتها على الإنترنت من أكبر الفضائح، وقد يتسبب ذلك في مشاكل اجتماعية كبيرة، ربما تذهب ضحيتها الفتاة المبتزة، على عكس المجتمعات الغربية". موضحا أن الحكومة البريطانية لجأت إلى توفير مؤسسات كثيرة تعمل على التوعية بتلك القضايا ومتابعتها، مشيرا إلى أن القانون الأوروبي يحمي الحقوق الشخصية، ويعاقب كل من ينشر صورة أو معلومة عن أي شخص بدون إذن كتابي منه. مؤكدا أن المتاجرة بصور الأطفال المراهقين عبر "الإنترنت" تعد من أكبر المشاكل التي يواجهها الغرب، حيث تستدرج عصابات منظمة وأفراد أصحاب الصور من الأطفال أو المراهقين على مواقع الشبكات الاجتماعية. ويشير إلى أن كثرة المشاكل في الغرب دفعت الحكومات إلى إيجاد مؤسسات توعية وخدمات لحماية الأطفال، محذرا من أن الهدف القادم لمفترسي الجنس هم الأطفال، فالجنس والمال هما هدفا مسيئي استخدام الإنترنت.