كم هي هذه الحياة غريبة وعجيبة وقاسية تلاطم أمواجها العاتية أناسا وأشخاصا وأفرادا من مجتمعنا فتقذف بهم دون رحمة على شواطئ الفقر والحرمان تتلقفهم الشوارع والأرصفة؛ فيهيمون على وجوههم لا أنيس لوحدتهم ولا معين لوحشتهم إلا بقايا الكراتين وكراسي الحدائق العامة ودورات مياه المساجد ولا يسكت هدير بطونهم إلا النبش في حاويات القمامة وصدقات المحسنين، إن ذاق بعضهم وجبة اليوم فغدا سيصوم أكثرهم مكرهين مجبرين لا عبادة ولا تطوع يصارعون من أجل البقاء. تصرفاتهم تنسج ماضيا جميلا وسعادة لا تخالجها سعادة وحاضرا ارتسمت فوق حواجبه لغة الضياع بلهجة النسيان وتجاهل شعبي وتقصير بيروقراطي إداري بحت لجهات حكومية اجتماعية وصحية تناست أدوارها وحقوق محتاجيها فرمت بهم في أحضان عالم المجهول. فهاموا على وجوههم واقتنعوا بحياة شقائهم وبؤس مصيرهم. إن قلّب أحد في دفاتر ومذكرات ماضيهم وجد العجب العجاب فهذا كان بطلا للمملكة العربية السعودية في رياضة الدراجات واليوم أصبح يعيش في هامش هذه الحياة فلا وظيفة له إلا السير بلا شعور على أرصفة الشوارع وأحيانا كثيرة يسابق السيارات ويقطع طرقها ويتصرف تصرفات تترجم انفصال جسده عن عقلة وتفكيره دون ذنب اقترفه ذلك المسكين فيطلق العنان لعضلات جسده تتحرك بشدة فتبين حقيقة ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم وتتوارد رؤيات ما حل بهذا المخلوق وأن سببها خارج عن إرادته فسحب على وجهة لهذا المصير وأصبح يطلق الصيحات والاستغاثات فلا مجيب تارة يمشي مشية عسكرية وأخرى يحدث الفضاء وثالثة يبكي ويستجير ورابعة يجلس جلسة العقلاء وخامسة يتذكر زوجته وأطفاله فيضحك بلا طعم ولا لون ولا رائحة. وآخرون تشبه أحوالهم حال هذا المسكين فلا هم لهم إلا جمع أوراق ومخلفات أكياس الأسمنت وأوراق الصحف والمجلات فيحملونها فوق ظهورهم دون اكتراث بنظرات الآخرين.