استعاد المسرحيون السعوديون وهم يحتفلون باليوم العالمي للمسرح البارحة، همومهم وقضاياهم التي تثار دائما دون أن يعثر على حلول لها. وبرزت مسألة التوثيق في مقدمة هذه الهموم طبقا للباحثة أكاديميا في مجال المسرح لطيفة البقمي (كلية الآداب ،جامعة الطائف) التي توقفت عند ما اعتبرته عدم اهتمام الجهات الرسمية المشرفة على المسرح في المملكة ( وزارة الثقافة والإعلام وجمعية الثقافة والفنون وجمعية المسرحيين السعوديين ) بالتوثيق، مشيرة إلى تجربة علي عبدالعزيزالسعيد الذي قام وبمجهود فردي بأرشفة للمسرح السعودي ولكنها لا تزال تجربة فردية تحتاج للدعم من قبل وزارة الثقافة والإعلام ، ومن الكتاب المسرحيين أنفسهم لحفظ نتاجهم الأدبي. وهناك خصوصية أخرى تميزالمسرح السعودي الذي تحكمه تقاليد اجتماعية ، ما يلجئ المرأة للحديث عن قضاياها ومشكلاتها من خلال مسرحها الخاص ( المسرح النسائي ) الذي وجدت فيه متسعاً من الحرية لمناقشة قضاياها، ومن خلاله استطاعت تكوين كوادر نسائية مسرحية في التأليف والإعداد والإخراج والإنتاج. البقمي ترى أن دور المرأة المسرحي يبرز في جانبين أساسيين هما التأليف المسرحي ، حيث برزت أسماء اشتهرت في هذا الإطار منهن ملحة عبدالله ، ورجاء عالم .أما في التمثيل فتعد ناجية الربيع الممثلة المسرحية الأولى حتى عام 1429ه حيث ظهرت بعض الفرق النسائية، والتي شاركت في العديد من المهرجانات والفعاليات . وتعد مسرحية ( مسيار كوم) البداية الفعلية لانطلاقة المسرح النسائي السعودي . . وهنا تؤكد البقمي ما سمته صفة الذكورية للمسرح السعودي خاصة قائلة : المسرح السعودي ذكوري وهذه هي الصورة التي باتت معروفة عنه في الخارج ففكرة مشاركة المرأة مسرحياً أمرمرفوض اجتماعياً، وهذا ما يجعلها تحضركصوت أوكطيف . ورأي البقمي يمثل السؤال المربك إلى حد كبير لماذا المرأة حاضرة بكل تفاصيلها عند كتاب السيناريو في الدراما التلفزيونية ، ولا نراها مطلقا عند كتاب المسرح ؟ رئيس جمعية المسرحيين السعوديين أحمد الهذيل يلتقط سؤال "الوطن" ليرى أن المرأة جزء لا يتجزأ من المجتمع،مهما حاول البعض حجبها أو تحجيم دورها ، فهي موجودة وفاعلة في مختلف المواقع والمجالات التي لا يمكن بأي حال الاستغناء عنها في جوانب الحياة الطبيعية ،والواقع المعاش شاهد على بروزها في التعليم والطب والاقتصاد والتجارة والهندسة والإدارة وتبوئها مناصب سياسية، إلى جانب النجاحات الثقافية والفنية المتعددة الجوانب،كما أنها ساهمت ولا تزال في صناعة الدراما كتابة وأداءً وإخراجا من خلال الإذاعة والتلفزيون والسينما كشريك مع الرجل في تحقيق تلك النجاحات،أما بالنسبة للمسرح فلم تعط لها الفرصة بحكم القيود التي يضعها المجتمع ،مع أن هذه المبررات غير مقبولة، فطالما تقبلناالمرأة في الصحافة وأمام المايكرفون وعلى شاشة التلفزيون،وهي تقدم وتساهم مع الرجل في تقديم رسالة هادفة للمجتمع فما هو المانع من وقوفها على خشبة المسرح بكامل محافظتها وأخلاقها ،فهي لن تفقد ذلك بمجرد ظهورها على المسرح بل ستحظى بالتقدير والاحترام تقديرا لمشاركتها، ويضيف الهذيل : ولكي لا يفسر قولي هذا من المتربصين أنه دعوة لإفساد المرأة،أؤكد أن دعوتي لمشاركة المرأة في الحراك المسرحي هي دعوة للمساهمة في تقديم الرسالة الأدبية التي يتبناها المسرح من خلال ما يطرحه من قضايا. وينطلق المسرحي رجاء العتيبي في مقاربته للمسألة من زاوية أخرى تتعلق بتشكل الحياة المدنية وطبيعتها حسب رأيه ، إذ يؤكد: أن 'المشكلة الجوهرية تكمن في أن القيم المدنية لم تتشكل في المجتمع بصورة يكون لها ذلك الحضور الذي يجعل من هذه المؤسسات تنشأ في ترتيبتها الأصلية، ذلك أن المؤسسات المدنية لا تترعرع إلا في مجتمع مدني، وتتعثر حينما توضع في مجتمع تقليدي. ويتابع العتيبي موضحا: عندما نريد أن نشخص المشكلة من العمق لا بد أن نعود إلى نظرية المفكرعلي الوردي حول موضوع (الإنتاج والاستحواذ)، فنشير إلى أن عقلية الإنسان المدني تهتم بالإنتاج، في حين أن عقلية الإنسان في المجتمع التقلديدي تهتم (بالاستحواذ)، فعندما يقفز التقليديون على المؤسسات المدنية يحيلون كل ما فيها إليهم، ويسعون إلى أن (يستحوذوا) على كل ما فيها لصالحهم، متجاهلين مفهوم (الإنتاج) الذي يفترض أن يصل للأعضاء والمشتركين وأنهم ليسوا سوى موظفين يخدمون الفئة المستهدفة من (الجمعية) وليس الرئيس ومن حوله. بينما يرتبك حلم السعوديات بإيجاد قاعة خاصة للمسرح، مجهزة ومتكاملة، وتأهيل كوادر نسائية أكاديميا في مجال التمثيل والإخراج، والتأليف والفنون ، يرى العتيبي أن للمشكلة اتجاها إضافيا هوأن التقليدي لا يقول عن نفسه ذلك، وإنما سلوكه هو الذي يفصح عن ذلك، وهو يمارس (تقليديته) بصورة لا شعورية، ويرى أنه في الطريق الصحيح، ولكن معيار (الصح والخطأ) ليس فيما يعتقده العاملون في الجمعية أياً كانت تقليديتهم ومدنيتهم، بقدرما هو في النتائج المترتبة على وجودهم، فكل النتائج التي نراها اليوم في الجمعيات الفنية لا تنبئ عن تفاؤلنا يوم أعلن عنها لأول مرة . وإذا كان حراك ( الفنون ) بصفة عامة ومن ضمنها المسرح رهنا ب (الجمعيات الفنية الخمس)" جمعية المسرحيين السعوديين، وجمعية الفن التشكيلي، وجمعية التصويرالضوئي، وجمعية الخط العربي، وجمعية الكاريكاتير"التي أطلقتها وزارة الثقافة والإعلام خلال السنتنين الماضيتين، إلا أن المراقبين يرون أن القصور يعود إلى افتقار العاملين فيها لروح العمل الجماعي، مشيرين إلى أن الممارسة جديدة لم يتعودوا عليها، وأكدوا أن الزمن كفيل بحلها. وهنا يبرئ رجا العتيبي وزارة الثقافة من خلق المعوقات قائلا : لا نحمل وزارة الثقافة والإعلام وزر ضعف الأداء ولا نحملها تواضع مستوى الدعم، لأن دورها انتهى باتخاذ القرار، ويبقى على العاملين في الجمعيات الخمس ترتيب أوراقهم بالشكل الذي يخدم مجتمعهم المعرفي الصغير ليكبر عبر الزمن بصورة مطردة، وأن يسعوا إلى تنمية مواردهم المالية ويؤسسوا لأنظمة وقوانين تخدم الجميع بدون استثناء، أو تفريق بين رجل وامرأة.