خشية واضحة، تقرأها على معالم وجوههم، وتستشعرها في نبرات أصوا تهم، تلك هي حال عدد كبير من أولياء أمور "الطلاب والطالبات"، في مختلف المراحل الدراسية، بمدارس مختلفة في مدينة "جدة"، وسبب هذا القلق، هو تخوفهم من تكرار قضية "وحش الدمام"، في ظل عشوائية خدمات التوصيل الخاصة بطلاب وطالبات المدارس، والتي باتت واقعاً حقيقياً تتعامل معه الأسرة السعودية. أضف إلى ذلك، ضعف رقابة الجهات المختصة والأمنية، في متابعة آلية توصيل الطلبة، من وإلى منازلهم، وغياب "النظام" الواضح والمحدد، الذي يشكل شبكة "أمان"، تجعل عمليات النقل تسير بشكل طبيعي، دون قلق أو خوف. "الوطن" قامت بجولة ميدانية على عدد من المدارس والكليات والجامعات، رصدت من خلالها تواجد أعداد كبيرة من السيارات الخاصة، والتي تقودها عمالة من جنسيات عربية، بالإضافة إلى الحافلات التي لا يوجد عليها شعار شركة نقل معينة، كما أن معظم السائقين في العشرينات من العمر، بالإضافة إلى أن معظم المكاتب تغص بسائقين غير سعوديين. ظروف عمل العائل من جهته، أوضح المهندس في شركة "سابك" محمد عمر، أن عائلته استخدمت في فترة سابقة حافلة لتوصيل شقيقته إلى الجامعة، لعدم وجود سيارة خاصة لديه، وانشغال والده في العمل، مضيفاً أنه بمجرد حصوله على سيارة خاصة به، استغنوا عن خدمات توصيل شقيقته بالحافلة، واصفاً تلك المرحلة ب"الفترة الاضطرارية". إلا أن المهندس محمد أكد في معرض حديثه أنه لا يعرف شيئا عن الشروط التي وضعتها وزارة النقل، لاختيار السائق، أو الشركة التي تعمل في مجال النقل، أو اشتراط أن يكون السائق سعوديا، أوكبيرا في السن، مطالبا الجهات المختصة ب"مراقبة الخدمات التي تقدمها مكاتب التوصيل، سواء للطلاب أو الطالبات، في المدارس أو الكليات والجامعات، بالإضافة إلى الحد من عملية التوصيل، التي يقوم بها الأفراد من خلال مركباتهم الخاصة، والتي لا يوجد عليها أي نوع من الرقابة". مرافقة الزوجة شرط أساسي أم عبد الله النعيم، وفي حديثها معنا، لها تجربتها الخاصة، والتي ربما أتت بطريقة مختلفة، حيث أكدت أنها تتعامل مع حافلة يعمل عليها مسن من جنسية عربية، لحسابه الخاص، ترافقه زوجته في رحلة التوصيل المدرسية يوميا، مشيرة إلى أنهم تعرفوا عليه من خلال صديقة ابنتها في المدرسة، والتي تتعامل مع السائق منذ فترة طويلة. ورغم ذلك، إلا أن أم عبد الله تتابع بنفسها وحرصا منهاعلى مواعيد وصول ابنتها وصديقاتها إلى منازلهن، تتواصل بشكل يومي مع زوجة السائق، التي لا تفارقه في الرحلة المدرسية، كشرط أساسي لموافقتهم على استخدام ابنتهم للحافلة. كما يقوم زوجها بالتواصل مع السائق شهريا، عند دفعه قيمة التوصيل "250" ريالا، وهو المبلغ المتعارف عليه للمدارس القريبة، حيث يتأكد من أخلاقيات البنات في الحافلة، وإذا ما كن يقمن بأية حركات "طائشة من التي يقوم بها المراهقون"، فيما تقوم أم عبد الله بمتابعة الحركة اليومية للسائق، مع أمهات صديقات ابنتها في المدرسة، وحساب الوقت اللازم من البيت إلى البيت الآخر، مع احتساب الوقت المقطوع خلال فترة الازدحام. وأكدت أم عبد الله أن الشرط الأساسي في هذه العملية، "أن لا تعطي الفتاة للسائق أو زوجته رقم هاتفها الجوال، بالإضافة إلى عدم تحدثها معهما في أي موضوع خلافا للضرورة، والتفاهم بأي أمر آخر يرجع لأهل الطالبة". إغفال "الاشتراطات الأمنية" إلى ذلك، حذر متعهد بتوفير المركبات "الباصات"، لشركات النقل الداخلي، للطالبات والمعلمات في جدة، من عدم تطبيق بعض تلك الشركات لبند "الاشتراطات الأمنية في معرفة سوابق السائقين"، مضيفاً "إن الكسب المادي السريع، يعد السبب الرئيس، في عدم تفحص نوعية السائقين، من قبل تلك الشركات، مكتفين بشروط توظيف، لا ترقى لعامل المهنة، وهو عامل الثقة الزائدة". فيما وجه المتعهد شمسان في حديثه ل"الوطن" نقداً "لاذعا" لوزارة "النقل والمواصلات"، التي اتهمها بالتقصير في"نزول لجانها التفتيشية، للكشف عن قوائم السائقين لدى تلك الشركات والمؤسسات، ومدى التزامها بتطبيق شروط الترخيص التي على أساسها منحت الرخصة، خاصة حول نوعيات السائقين"، بحسب ما يدعيه شمسان في حديثه لنا. وبالعودة إلى شروط وزارة النقل، والمنشورة في موقعها الإلكتروني الرسمي، والتي تتطلبها في ما يخص توظيف السائقين، اتضح أن شرط" خلو ملف السائق من السوابق الأمنية"، يقع ضمن شروط سائق نقل "المعلمات" فقط!، وهو البند الذي تم إهماله في بنود وشروط سائقي نقل "الطالبات"!. "المتعهد"، الذي تحدث لنا أقر بوجود "حزمة تلاعبات"، من بعض أصحاب تلك الشركات الخاصة بالنقل، في "استيفاء شروط السائقين، خاصة بالالتزام بتوظيف السعوديين"، مشيراً إلى أن بعضها "لا يلتزم بهذه الشروط إطلاقاً، فيقومون بتوظيف الشباب المراهقين، مخالفين بذلك شروط الوزارة في توظيف من تقل أعمارهم عن 30 عاماً (في حالة النقل المدرسي)، و40 عاماً ( في حالة نقل المعلمات)". ووفقاً لشمسان فإن بعضها – أي الشركات- تقوم بتوظيف عدد من السائقين من الجنسيات الإفريقية، مما يمثل "خطراً"، ربما يقود لمشاكل أخلاقية قادمة، بحسب وجهة نظر شمسان. حافلة وسائق تحلان المشكلة خوف وقلق بعض العائلات، وما يتناقله الناس من قصص ومشكلات تحدث في بعض مركبات توصيل الطلاب والطالبات، دفع البعض للتفكير في حلول مختلفة، وهي حلول قد لا يستطيع أي شخص القيام بها أو الاستفادة منها. فيصل تركي السليماني، طالب التمريض، روى ل"الوطن" أن عمه قام "بتجهيز حافلة لأفراد العائلة للطلاب والطالبات، مع سائق خاص لهذه المهمة، أتى به على كفالته، يقوم من خلالها بتوصيلهم يوميا، على التوالي حسب المواعيد الأهم، مبتعدا بذلك عن أي إزعاج يسببه وجود سائق غريب لا يعرفون عنه شيئاً، أو يصعب التعرف على مكان سكنه أو موقع تواجده". النتائج الإيجابية لهذه التجربة، دفعت السليماني إلى أن يطالب العائلات التي لديها أكثر من طالب أو طالبة، ب"استخدام سائق على الكفالة، ومركبة خاصة، بدلا من الاعتماد على شخص من الصعب الوصول إليه، ومعرفة مكان سكنه، الذي ممكن أن يغيره ببساطة، دون معرفة أهل الطالب أو الطالبة". إلا أن هذا الحل، قد لا يكون متوفرا لكثير من العائلات، خصوصا الفقيرة منها، أو محدودة ومتوسطة الدخل، وبالتالي لا يمكن تعميمه على الجميع، ولن يكون بالمقدور تطبيقه، إلا لدى العائلات "الميسورة" ماديا. قائمة الأرقام ب 100 ريال الاستعانة بالسائقين، ليست مشكلة أو ظاهرة تخص الطلاب والطالبات وحدهم، بل تجدها لدى المعلمات أيضا، حيث يستفدن من وجود السائقين، في خدمات التوصيل، من وإلى مقار عملهن. سارة سالم الحربي، المُعلمة في المرحلة المتوسطة، بإحدى المدارس الأهلية، تقول إن هاتفها الجوال "يغص بأرقام السائقين، من الجالية الهندية"، مشيرة إلى أن "أي معلمة يجب أن يحتوي هاتفها النقال، على ما لا يقل عن عشرة أرقام، لأن السائقين من الممكن أن يضربوا عن التوصيل، في أي لحظة بدون سابق إنذار"، مشيرة إلى أنها تعرضت لمواقف كثيرة، وجلست تنتظر في المدرسة لساعتين، حتى استطاع أخوها الكبير الاستئذان من عمله، وتوصيلها هي ومجموعة من صديقاتها، اللاتي يتعاملن مع نفس السائق، وفي اليوم الثاني كن مع سائق آخر، اتفقن معه عن طريق الاتصال به، مشيرة إلى أنها "تجارة يستحوذ عليها أفراد الجالية الآسيوية". الحربي أوضحت أنها اشترت من إحدى صديقاتها المعلمات، قائمة تضم 20 رقما، لسائقين من الجنسية الآسيوية، بمائة ريال!، لا لشيء، سوى أنها تحتاج هذه الأرقام لتنقلها، وهي بدون "سائق" ستعاني الكثير من المشاكل!. يذكر أن "الوطن" انفردت في عددها رقم 3487 الصادر يوم 17 أبريل الماضي بنشر تفاصيل القبض عل "وحش الدمام" بواسطة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الدمام، الذي اعترف بارتكاب أكثر من 200 جريمة معاشرة جنسية مع نساء وأطفال.