يُعتبر الهاجس الأمني من أولويات أية دولة تتولى تنظيم فعاليات كأس العالم لكرة القدم، والنهائيات التي ستقام هذا العام في جنوب إفريقيا ليست استثناء. لهذا يعمل منظمو البطولة على زيادة الإجراءات الأمنية في تسع مُدن رئيسية ستقام عليها المباريات تحسباً لوجود تهديدات متعددة تتمثل في احتمال حدوث أعمال إرهابية أو في ازدياد نسب الجرائم العادية. بقيت أسابيع قليلة قبل بداية البطولة، وبهذه المناسبة نشر موقع "ستراتفور" الاستخباراتي في أواخر مايو الحالي تقريراً حول حقيقة وأنواع التهديدات المحتملة خلال مجريات كأس العالم وطبيعة الاستعدادات الأمنية التي تتخذها سُلطات جنوب إفريقيا. تقام أولى مباريات كأس العالم في جوهانسبرج في 11 يونيو، وتستمر المباريات حتى 11 يوليو حيث تقام النهائيات. وبالطبع فإن مباريات كأس العالم تجتذب حشود المتفرجين والمعلنين وكبار المسؤولين الذين قد يكون بينهم هذا العام الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي عبَّر عن رغبته في الحضور في حال وصول المنتخب الأمريكي إلى النهائيات. تجري المباريات في تسع مدن رئيسية هي: كيب تاون، ودوربان، وجوهانسبرج، وبلومفنتين، وبريتوريا، وروستنبورج، وبورت إليزابيث، وبولوكوين، ونلسبرويت. وستجري مباريات نصف النهائي في كيب تاون ودوربان، وستجري مباراة المركزين الثالث والرابع في بورت إليزابيث، أما المباريات النهائية فستكون في جوهانسبرج. ويقول خبراء ستراتفور إن هناك عدة مصادر للتهديدات الأمنية خلال كأس العالم. 1- الجريمة التهديد الأول هو الجريمة العادية. الدافع الأساسي للجريمة هو انتهاز الفرصة وكسب مبلغ مالي بسرعة، وهو أمر تسهله عوامل الازدحام والتواجد المكثف للغرباء خلال فترة كأس العالم. وللتخفيف من أي تهديد أمني محتمل، سيتم نشر حوالي 44 ألفا من عناصر الشرطة وقوات الدفاع الوطني والأمن الخاص في أماكن المباريات، والفنادق التي ستنزل فيها الفرق المشاركة، وفي أي مكان يعتقد أنه قد يتعرض لتهديد أمني من أي نوع. كما سيكون لدى بعض الفرق ترتيباتها الأمنية الخاصة، فالمنتخب الأمريكي مثلاً سيكون تحت حراسة دائرة الأمن الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية الأمريكية. بالإضافة إلى هذا، قدمت حكومات أجنبية مساعدات أمنية لجنوب إفريقيا شملت تسهيلات لوجستية وفي مجال الاتصالات استعداداً للبطولة وستبقى تساهم في الجانب الأمني حتى نهايتها. هذه الإجراءات ستساعد على تأمين المدرجات والفنادق والأماكن الأخرى ذات الصلة. لكن إجراءات حماية نشاطات كأس العالم قد تسبب تحول النشاط الإجرامي إلى أهداف أكثر سهولة خارج هذا الإطار الأمني حيث يكون وجود الشرطة أقل كثافة. سرقات الأملاك الخاصة منتشرة في جميع مدن جنوب إفريقيا، وتكون العناصر الإجرامية عادة منظمة وفعالة. وسعياً وراء المال، يعمد اللصوص عادة لارتكاب أعمال عنف ضد أي شخص يحاول إيقافهم. وتحدث معظم الجرائم في جنوب إفريقيا في المناطق الفقيرة والمناطق التي ليس فيها وجود مكثف للشرطة خارج نطاق مراكز المدن. لكن اللصوص قد يقومون أيضاً بعمليات كبيرة حتى في مراكز المدن والأحياء الغنية بحثاً عن أهداف أكثر ثراء. وبالإضافة إلى سرقة الممتلكات، تُعتبر جنوب إفريقيا أكثر دولة في العالم تقع فيها جرائم الاغتصاب نسبة لعدد السكان. التواجد الأمني الكثيف لقوى الأمن في مراكز المدن يُعتبر عامل أمان للسياح والغرباء المتواجدين في هذه المناطق، لكن خطر تعرضهم للسلب أو الاغتصاب يزداد في المناطق المحيطة. وبالطبع فإن الاغتصاب يحمل معه خطورة انتقال مرض الإيدز إلى الضحية بسبب ارتفاع نسبة الإصابات بهذا المرض في جنوب إفريقيا (عام 2008، تم تشخيص 11% من سكان جنوب إفريقيا على أنهم مصابون بالإيدز أو حاملون للفيروس المسبب له). ويقول تقرير ستراتفور إن ما يزيد من حجم تهديد الجريمة خلال مباريات كأس العالم هو المعلومات التي رشحت عن احتمال توجه مجرمين من نيجيريا إلى جنوب إفريقيا لاستغلال وجود حشود كبيرة من السياح خلال مجريات كأس العالم. وتعتبر العصابات النيجيرية منظمة وهي متواجدة في جنوب إفريقيا إلى جانب العصابات الروسية والصينية. كما أنه لا يستبعد أن يتوجه مجرمون أفارقة من دول أخرى، مثل زمبابوي إلى جنوب إفريقيا لاستغلال المناسبة. لذلك ينصح الذين يودون السفر إلى جنوب إفريقيا لحضور مباريات كأس العالم أن يكونوا حذرين في جميع الأوقات، وعليهم ألا يظهروا نقوداً أو أي ممتلكات قيمة. كما أن عليهم تجنب السفر في الليل قدر الإمكان، خاصة إلى مناطق بعيدة عن التواجد الأمني الكثيف، ويفضل أن يسافروا ضمن مجموعات كبيرة. 2- الإرهاب رغم التهديدات المبطَّنة لبعض الجماعات الإرهابية باستهداف نشاطات كأس العالم في جنوب إفريقيا، إلا أن الجماعات الإرهابية الرئيسية لا تمتلك القدرة أو النية الاستراتيجية للقيام بهجوم إرهابي كبير. قيادة تنظيم القاعدة المركزية لم تظهر قدرة على الضرب خارج جنوب آسيا منذ سنوات. ومع أن الجماعات الإرهابية تود القيام بهجوم بارز ضد هدف عالمي، إلا أن الجماعات المسلحة تصل غالباً إلى نتيجة بأن ضرب أهداف محلية وإقليمية حيث تمتلك قدرات أكثر استقراراً يوفِّر فرصة أفضل للنجاح. يتطلب القيام بهجوم في مسرح جديد أشهراً من التخطيط والتدريب والتنسيق وموارد هامة، لكن العمليات ضد تنظيم القاعدة في أفغانستان وباكستان قلَّصت قدرات القيادة المركزية بشكل كبير، ولذلك فإنها على الأغلب لا تمتلك القوة الكافية للقيام بهجوم هام في جنوب إفريقيا خلال هذا الصيف. ويمكن القول إن الجماعات الإرهابية الإقليمية، مثل القاعدة في شبه الجزيرة العربية والقاعدة في المغرب الإسلامي، غير قادرة أيضاً على القيام بمثل هذا الهجوم. 3-الهجمات الفردية هذه الهجمات لا يمكن التنبؤ بها لأن القواعد الجهادية غير معروفة لأجهزة الأمن وبالتالي لا تخضع للرقابة الأمنية. هؤلاء الأشخاص يحافظون على سريتهم من خلال اعتماد العمل الفردي أو ضمن جماعات صغيرة ومغلقة. مشكلة هؤلاء الأفراد والجماعات الصغيرة أنهم يفتقرون إلى الخبرة الكافية لصنع المتفجرات والتخطيط الاستراتيجي، لذلك فإنهم يعتبرون مجرد "هواة" غير قادرين على تنفيذ عمليات كبيرة. ومع ذلك، بسبب الاهتمام الإعلامي الواسع بكأس العالم، فإن أي هجوم مهما كان صغيراً سيجذب اهتمام أجهزة الإعلام العالمية. العمليات الأمنية يمكن اختصار الغطاء الأمني في جنوب إفريقيا استعداداً لكأس العالم على النحو التالي: • ستقوم الطائرات الحربية في جنوب إفريقيا بفرض منطقة حظر للطيران فوق ملاعب كرة القدم التي ستستضيف مباريات كأس العالم. • سيتم نشر السفن والغواصات الحربية على سواحل كيب تاون، ودوربن، وبورت إليزابيث لتقديم دعم إضافي في مراقبة الجو. • ستكون فرق إزالة المتفجرات موجودة في جميع الملاعب. • ستكون فرق مكافحة الإرهاب الخاصة في حالة تأهب دائم للتدخل المباشر عند الحاجة. • سيتم افتتاح مركز عمليات مشتركة في بريتوريا ينسق بين مراكز القيادة الإقليمية في المدن التسع. • لن يسمح بالقيام بأي تظاهرات داخل أو قرب الملاعب المشاركة في بطولة كأس العالم. • ستخضع الجماهير والعربات التي ستحضر إلى الملاعب أو قربها لتفتيش دقيق. • سيتواجد رجال الشرطة بالزي الرسمي والمدني في الملاعب الكبيرة.