حولت القرى في عسير اهتماماتها من عرض قطع التراث القديم من قطع تراثية ولوحات وصور قديمة إلى تقديم بوفيهات تراثية متكاملة، وذلك لاستقطاب أكبر عدد من الزوار، وتقديم سفر تراثية تضم كافة المأكولات، مما جعلها مواقع حضارية جديدة للاجتماعات والاستقبالات النسائية في المنطقة. تقول فاطمة الشهري إن هذه القرى أخذت على عاتقها تقديم التراث القديم للمنطقة بعرض قطع التراث بطريقة مبتكرة، وقد لاحظنا اتجاه لعقد العديد من الاجتماعات النسائية والولائم في هذه القرى بدلا من الاستراحات والمنازل والمطاعم، وخاصة أن هذه القرى تقدم ضيافة مميزة ووجبات شعبية تستهوي العديد من السيدات من ربات البيوت أو الموظفات. وأضافت أن بعض القرى تقدم الوجبات الشعبية في المغشات والأواني الفخارية والحجرية، وتقدم المرقوق وخبز التنور والرقش والمندي أو الحنيذ، إضافة إلى المقبلات، مما يوفر على المرأة الجهد الكبير في تجهيز هذه الأطعمة، ويجعلها تعيش أجواء الماضي في ضيافة هذه القرى المبنية من الحجر. تقول عضوة إدارة الهيئة السعودية للمهندسين بمنطقة عسير جمعة القحطاني إن استثمار القرى التراثية وربط المجتمع بها يعيد الإنسان في المنطقة إلى ماضيه، ويجعله يعيش كل تفاصيل هذا الماضي بلغته الخاصة. وأشارت إلى أهمية استثمار الجانب التراثي في المنطقة من قبل سيدات الأعمال، لما لهذا الطابع من أهمية، ولما للموقع من إمكانات سياحية يتطلع إليها الزوار من كل مكان، واستثمار الديكور الداخلي في منطقة عسير، وعمل دورات تدريبية للمهتمات في هذا المجال. وذكر ظافر بن حمسان (صاحب قرية بن حمسان التراثية) أن عدد القرى التراثية في عسير يبلغ أكثر من 5800 قرية، وهي ثروة وطنية يجب عليها أن تربط الإنسان بالتراث كما هو الحال في كل دول العالم، حيث تعبر عن هوية وحضارة الإنسان في عسير. وأضاف "نستقبل الوفود القادمة من كافة المناطق، ونقدم البوفيه الشعبي الذي يتضمن الخروف مع جميع الأكلات الشعبية مثل المقلقل والمغش والرقش والسلطات، والخبز البلدي، والعسل والحنيذ ، ونقدم ذلك بتكلفة ثلاثة آلاف ريال". وأشار إلى أن القرية تستضيف معارض للأسر المنتجة، لإتاحة الفرصة لهذه الأسر فرصة المشاركة وتقديم منتجاتها. وشدد بن حمسان على دور المرأة في المنطقة، والتي كانت تقوم بمعظم المهن، مبينا أن معظم القطع المعروضة بالقرية من إنتاج المرأة، حيث يتم التركيز على إعادة ربطها بالتراث عن طريق فتح المجال أمامها لقضاء يوم بين قطع التراث الذي يعبر عن الحنين للأمس وما فيه من أصالة. ويقول محمد الراقدي (صاحب متحف الراقدي) إن العديد من القرى التراثية تقدم الوجبات الشعبية كالعسل والعريك والخبز بالسمن ما بين عوائل أو سيدات وأطفالهن، وهذا دور جديد للقرى التراثية التي تتيح للمواطنين فرصة قضاء أوقات ممتعة في حضرة التراث. وأضاف أنه خصص مديرة للمتحف تقوم باستقبال الزائرات ومتابعة الوفود النسائية براحة أكبر، مشيرا إلى أن افتتاح المطاعم التراثية داخل القرى يعزز رؤية الناس للتراث والعودة للماضي، كما أن العديد منهم أوجدوا مواقع وأجزاء تراثية في منازلهم. ويشير الأديب والمؤرخ والمهتم بالتراث علي مغاوي "القرى التراثية نوع من التواصل نحن بحاجة إليه، طالما أنه في إطار تقاليد المجتمع وعاداته، وهي تساعد على التفاعل الاجتماعي مع التراث باعتباره جزءا مهما من ذاكرة الإنسان". وقال "نحتاج إلى طريقة جيدة لإنقاذ التراث من الإهمال، وعرضه بشكل جيد، ونأمل أن تقوم الهيئة العليا للسياحة بهذا الدور، في الحفاظ على التراث، وإعلاء سقف الاهتمام بالموروث الشعبي". وأكد مغاوي على أهمية وجود العائلة في هذه القرى التراثية مما يتيح للأسر فرصة التعرف على تراثها، وشرح كل أبجدياته للأبناء والأحفاد، مبينا أن توفير المأكولات التراثية وتداول الحديث حول طرق طهيها بين السيدات وكذلك الالتفاف حول التراث يعزز الحنين إلى التراث، والاعتزاز به.