يعيش المصور الفوتوجرافي توأمة مع الكاميرا تمتد مدى حياته أحيانا، يكتشف خلالها أنه الأقل حضورا في عدستها التي وثّقت عمله الصحفي أو الاحترافي، وسجلت صور أقاربه وأصدقائه في مختلف المناسبات، وأغفلت شخصيته رغم أن تلك العدسة أسيرة يديه. الأمر الذي يخلق حالة من التعجب مفادها (هل مقدم الشيء فاقده!) فلسفة أصدق ما تكون في حق المصور. المصور يسجل ويمنح الآخرين فرصا ذهبية كثيرة بتوثيقه صورهم في مناسبات لا تنسى، وقد يجامله البعض بدعوته للوقوف معهم وتكليف غيره بالتصوير، مكتفيا بصورة واحدة أحيانا بينما الآخرون ينالون نصيب الأسد من الحضور بفضل ذلك المصور، الذي نادرا ما يتذكر توثيق حضوره الذاتي بكاميرته. هذه الحالة رصدتها "الوطن" في حياة عدد من المصورين الذين أكدوا أن عشقهم للكاميرا، وارتباطهم الوثيق بها لم يشفع لهم بالحضور في سجلّها، بل أعاد بعضهم الفضل في توثيق صورته لغيره من زملاء المهنة من المصورين. حقيقة بها الكثير من الوجدانية في عتب الذات، أو لوم المعشوق عندما ينساه مُحبّه، الأمر الذي أثار عزيمة بعضهم في التفكير جادا في المستقبل بأن يكون حضوره أكثر من ذي قبل، نرجسية وإباءً، وليس غرورا أو أنانية. يقول المخرج يوسف العبدالله: عملت في التصوير التلفزيوني والفوتوجرافي قبل الإخراج، واكتشفت أن صوري الشخصية تسجل حضورا بعد عملي في الإخراج أكثر منها قبله عندما كنت مصورا. وبالفعل فالمصور أقل شخص يصور نفسه على الرغم من العلاقة الوطيدة بينه وبين الكاميرا، فقيمة الصورة لديه تطغى على تصويره لنفسه في أحيان كثيرة. أما المصور المحترف بصحيفة "اليوم" علي السويد فيقول لو لم يتذكرني زملائي أو الشخصيات في المناسبات العامة لما وجدت لي صورا معهم، وكثيرا ما يتبادل المصورون صور بعضهم لأنهم ينشغلون بالحدث عن ذواتهم، وأصبح هذا الأمر متعارفا عليه بيننا إلى حد كبير جدا. من المواقف التي لا أنساها طلب الأمير متعب بن عبدالله في تغطية للفروسية في الرياض العام الماضي بأن يكون هناك من يلتقط صورا شخصية للمصورين ويقدمها لهم؛ إيمانا منه بأن المصور ينشغل بالحدث وينسى توثيق ذاته في المناسبة. أما المصورة المحترفة سوزان إسكندر فتقول لا أتذكر أنني صورت نفسي حتى في المناسبات، رغم إدراكي لأهمية الصورة، وتوثيقها للمناسبة، ولحضوري فيها، أحيانا لم أبادر بأخذ صور شخصية لي! فكثيرا من صوري الشخصية تكون بكاميرا غيري من الزملاء الذين يفاجئونني بها، وأتعجب لماذا لم أفكر في التقاطها لنفسي، وتضيف إسكندر أن المصور المحترف يجد ذاته من خلال ما ينتج الأمر الذي يجعله ينسى نفسه كثيرا، ويقدم الحدث أو المناسبة. ولكنني بدأت أفكر جادة في تغيير هذا النمط من التفكير؛ لأسجل لنفسي حضورا في إنتاج كاميراتي مستقبلا. يقول المصور الهاوي مسفر الديواني: لا يدرك المصور هذه الحقيقة إلا عندما تنتهي المناسبة، أو الحدث، ما يجعله يندم نسبيا، أو يتعجب لمَ لم يطلب من أحد تصويره! وقد يرتبط الأمر بالحياء، فمن الممكن أن يسأل الآخرون المصور التقاط صور لهم، بينما هو لا يجرؤ على ذلك وله أسبابه. كما أن شغفه بالتقاط صورة مميزة تحمل اسمه تمثل لديه هما وأهمية أكثر من التقاط صورة لذاته.