تخيلوا على سبيل الأمثلة أن موظفي المستشفيات يداومون دون وجود مريض واحد، وتخيلوا أن المهندسين المعماريين يداومون في منشآتهم دون وجود أي مبنى قائم أو تحت الإنشاء، وكذلك الحال عندما نتخيل أن الموظفين في المدارس يداومون 36 يوماً في مدارسهم دون وجود طالب واحد في المدرسة، عطفاً على أن عودة الإداريين للمدارس في 16 ذي القعدة وعودة طلابهم في 22 ذي الحجة، يعني 36 يوماً في دوام قبل عودة الطلاب كما يحسبها بدقة إداريو التعليم في المدارس. ماذا يترتب على ذلك؟ الحديث قد كثر وبلغ مبلغه عن دوام الإداريين في المدارس قبل الطلاب ب36 يوماً، وأصبح حديث المجالس، وتعج به مواقع التواصل الاجتماعي، وبلغ ذروته في الهاشتاقات وغيرها، وأنا سأسلط الضوء عليه فقط من منظور اجتماعي واقتصادي، وسأخصص مقالي لذلك فحسب! أقول بادئ ذي بدء لا يختلف اثنان على أن المدرسة لا قيمة لها ولا طعم ولا رائحة بدون وجود الطلاب، ولأن ذلك الأمر مسلّم به ولا مناص منه، فقد يكون ذلك هو السبب الرئيس في التفاعل الكبير من المجتمع بصفة عامة ومنسوبي التعليم بصفة خاصة، بخصوص دوام الإداريين في المدارس قبل الطلاب ب36 يوماً. وبالتالي فإن الكثيرين يتساءلون عن جدوى دوام إداريي المدارس قبل الطلاب بهذه الفترة الطويلة جداً، عازين ذلك إلى أن جميع الأعمال في المدارس قد تم الانتهاء منها قبل التمتع بالإجازة بتوجيه من إدارات التعليم والوزارة، فضلاً عن أن جميع الأعمال المدرسية أصبحت إلكترونية من قبول طلاب ونقلهم وتسجيلهم وأي أعمال إدارية أخرى، بل لم يعد ولي الأمر في حاجة لزيارة المدرسة في الوقت الذي ابنه غير موجود في مدرسته لأنه قد ينجز جميع مصالحه التي تخص أبناءه في المدارس وهو في بيته أو مكتبه أو في أي مكان. ولو نظرنا للموضوع من ناحية اجتماعية واقتصادية كنظرة استنتاجية لمداخلات الناس وتحاورهم في هذا الصدد عبر مواقع التواصل فإنه يجدر بنا ذكر بعض الملاحظات الهامة: أولاً: من الناحية الاجتماعية: فإن قطع الإجازة والعودة قبل دوام الطلاب ب36 يوماً لا يقتصر على عمل الأب كإداري في أي مدرسة فحسب، بل الأمر يتجاوز ذلك إلى أن الأم قد تكون هي من تعمل إدارية أو الابن أو البنت، وبالتالي فإن ذلك سيؤثر على الأسرة كاملة.. بمعنى آخر لو كان الأب عسكريا ولديه إجازة فإنه سيضطر لقطع إجازته ورحلة سفره والعودة لمدينته لأن زوجته أو ابنته مثلاً تعمل إدارية في مدرسة ما، وبالتالي لا بد أن تداوم قبل الطالبات ب36 يوماً، وقليل من الأسر من لا يوجد لديهم فرد من أفرادهم يعمل إداريا أو إدارية في أي مدرسة. أما من الناحية الاقتصادية: فإن فتح المدارس وعودة الإداريين سيكلف الوزارة ميزانية كبيرة، منها جلب عمال للمدارس للنظافة لمدة 36 يوماً قبل دوام الطلاب، كذلك استهلاك الكهرباء والماء والأجهزة والحبر وغيرها. يبقى عندنا الدورات التدريبية التي تقول الوزارة إنها ستشغل وقت الإداريين بها كحجة بالغة وسد للذرائع، وهنا يقول الإداريون في ردهم على ذلك بأنهم لم يصلوا لهذه الأدوار الإدارية التي يشغلونها الآن إلا بعد حصولهم على اختبارات ودورات تدريبية مكثفة أهلتهم للقيام بأعمالهم الحالية «حسب تعليقاتهم لا يعترضون على الدورات بل يؤيدونها وفق ضوابط وأوقات مناسبة»، فضلاً عن أن الدورات التدريبية لا تحتاج لأشهر بل من أسبوع إلى أسبوعين كحد أقصى، ويكون التركيز فيها على الأرجح للمستجدين في التعليم وذوي الخبرات القليلة من إداريين ومعلمين. أما تجهيز المدارس والإعداد والاستعداد للعام الدراسي الجديد فقد لوحظ من خلال المداخلات والتعليقات والمحاورات عبر ما عجت به مواقع التواصل الاجتماعي من خلال أهل الميدان من أبناء التعليم من مشرفين وقادة مدارس وإداريين وغيرهم، بأن أسبوعين قبل بدء دوام الطلاب وبدء العام الدراسي كافيين جداً لاستكمال الترتيبات التي سبق الانتهاء منها في الأصل قبل التمتع بإجازة نهاية العام من العام الدراسي المنصرم. أخيراً تبادل الكثيرون عبر بعض الهاشتاقات وبعض التعليقات المتداولة مطالبة وزير التعليم بتعديل مواعيد بدء الدوام والعودة للمدارس إلى ما بعد الحج أسوة بزملائهم المعلمين، وهم أهل للمسؤولية بأن تكون هذه المدة كافية للتجهيز والترتيب لعام دراسي جديد جميل لا ينقصه سوى الدعوات الصالحة بالتوفيق والسداد.